أربك تعليق الرئيس عبد الفتاح السيسي ، على تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار السوق السوداء الذي شهد انخفاضاً، بعد تأكيده على عدم تخفيض قيمة العملة خلال الفترة القريبة المقبلة، حيث أنها تؤثر بشكل كبير على حياة المواطن نتيجة أرتفاع أسعار السلع، مؤكداً أنه في حال استمرار الضغوط الخارجية لتخفيض قيمة العملة بشكل يؤثر سلبًا على المواطنين، فإنه لن يتم تنفيذ ذلك، بدلاً من ذلك، ستتبع استراتيجية تصحيحية تهدف إلى زيادة الصادرات وتعزيز قطاع السياحة وتحسين مناخ الاستثمار الأجنبي.
وقال الرئيس السيسى، خلال تعليق الأسبوع الماضى على أزمة سعر الصرف فى المؤتمر الوطنى للشباب بمحافظة الإسكندرية، إن الحكومة يجب أن تكون على قدر كبير من الحذر عند الاقتراب من سعر الصرف، لأن أى تحرك فى سعر الصرف يكون له تباعات سلبية على تسعير الخدمات والسلع الأساسية، وينتج عنه ارتفاع حاد فى مستويات التضخم، قائلا: «إن سعر الصرف الآن مرن.. ولكن عندما يتعرض هذا لأمن مصر القومى ويؤثر سلبا على حياة المصريين فـ لا لا لا، حتى لو كان يتعارض مع جهات أخرى».
من جانبه أوصى الخبير الاقتصادي محمد بضرورة تحديد سياسات اقتصادية استنادًا إلى الأهداف المحددة، إذا كان التخفيض الكامل لسعر صرف الجنيه أو استمرار التخفيض الجزئي لقيمته سيساهم في سد الفجوة التمويلية الحالية، فإن تنفيذه يصبح أمرًا ضروريًا. ومع ذلك، في الوقت الحالي، قد لا يحقق تخفيض قيمة الجنيه هذه الغاية، نظرًا للظروف الصعبة التي تشهدها الأسواق العالمية مع ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار إلى مستويات غير مسبوقة وصلت إلى 5.25٪، مما يجعل من الصعب جذب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بغض النظر عن تخفيضات قيمة العملة.
وأكد أن تحرير سعر الصرف بشكل كامل في الوقت الحاضر، كما يطالب به بعض المؤسسات الدولية، لن يؤدي إلى جذب تدفقات نقدية بالعملة الصعبة إلى الاقتصاد، بل سيرفع من مستوى المضاربة على سعر الصرف وسيؤدي إلى سيطرة الطلب مع نقص المعروض. وهذا بدوره سيؤدي إلى تضخم الجنيه وخروجه عن قيمته العادلة، ويمكن أن يتسبب في موجة تضخم صعبة السيطرة عليها.
وأشار إلى أن القيمة التوازنية للجنيه المصري تتراوح حول 30 و32 جنيهًا منذ يناير الماضي، وعلى الرغم من اقترابها من تلك المستويات المتأخرة، إلا أن تدفقات النقد الأجنبي لم تتعافَ بشكل كافٍ في الاقتصاد المصري ولم تسد الفجوة التمويلية، وقد طالبت التقارير الدولية بتنفيذ المزيد من التخفيضات في قيمة العملة. ولكن ماذا سيحدث إذا تم تحرير العملة بالكامل كما يطلب صندوق النقد الدولي؟ قد يواجه الجنيه مصيرًا مشابهًا لليرة التركية التي تشهد حاليًا تدهورًا، حيث تتبع الحكومة السياسة المرنة لتحديد سعر صرفها منذ سنوات. ولذلك، في ظل الوضع الاقتصادي العالمي الراهن وتأثيره السلبي على الاقتصاد المصري، ليس مناسبًا تنفيذ سياسة سعر صرف مرنة في مصر.
وأضاف أنه في عام 2016، عندما تم تخفيض سعر الصرف، شهدنا تحسنًا فوريًا في تدفقات النقد الأجنبي بالعملة الصعبة، وذلك لأن التخفيض جاء في وقت مناسب ولم يكن الاقتصاد العالمي يعاني من الظروف الحالية.
وكانت مصر قد نجحت في صرف الشريحة الأولى من القرض المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي بقيمة 347 مليون دولار في ديسمبر الماضي، وكان من المقرر صرف الشريحة الثانية بنفس القيمة في مارس الماضي، ولكن لم تتم مراجعة الصندوق حتى الآن.
وفيما يتعلق بسعر الصرف الحالي، صرح الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة بأن القيمة الحالية للجنيه، والتي تبلغ 30.95 جنيه للدولار، تُعد عادلة بالنسبة لحجم التمويل اللازم للاقتصاد المصري لسد الفجوة التمويلية الخارجية وقيمة الموارد الدولارية. قد يكون هذا السعر أقل من قيمتها الفعلية، ولكن بسبب الضغوط الإعلامية والتقارير الاقتصادية المضللة والمطالبات المستمرة بتخفيض قيمة العملة، فإن قيمة الجنيه مستمرة في الانخفاض.
وأشار إلى أن التقارير الاقتصادية العالمية تدعو إلى تعويم جديد للجنيه وتسعى إلى تحقيق قيم خرافية أمام الدولار، دون مراعاة الوضع الاقتصادي لمصر الذي شهد تحسنًا في الإيرادات الدولارية منذ بداية العام. إن زيادة الإيرادات الدولارية من مصادر أساسية مثل السياحة وتصدير الغاز الطبيعي وتجديد الودائع النقدية من دول الخليج وزيادة الاحتياطات النقدية تتم تجاهلها في هذه التقارير.
وأكد أن حتى بعد تخفيض قيمة العملة مرة أخرى أو تحريرها بالكامل وتنفيذ برنامج بيع الأصول كما يطلبه صندوق النقد، لن يتجاوز حجم الاستفادة الاقتصادية لمصر 10 مليارات دولار حتى في أفضل السيناريوهات المتفائلة.
وقال: "إن تلك الأموال قد تسد الفجوة الدولارية لعام واحد فقط، فماذا سيحدث في الأعوام المالية القادمة؟ هذا يؤكد عدم صحة توجيهات صندوق النقد".