الأثنين 04 نوفمبر

آراء وتقارير

المشروعات الكبرى حائط صد أمام مشكلة البطالة .. وحزم الحماية تواجه أعباء التضخم


المشروعات القومية

كل المعطيات تؤكد أن عام ٢٠٢٤ يحمل بعض المخاطر الخارجية للاقتصاد المصري، رغم الجهود الهائلة التي تبذلها الدولة المصرية، بمختلف مؤسساتها، لمواجهة أي تحديات.

المخاطر خارجية المصدر والأسباب، لأنها تتعلق بأوضاع جيوسياسية إقليمية ودولية، ليست وليدة اللحظة، ولكنها تتفاعل منذ عام ٢٠٢١، وحتى مطلع العام الحالي، لتصب جميعها في بوتقة واحدة، وهي تعرض الاقتصاد المصري لبعض الضغوطات، وهو ما أكده مسئولو الحكومة مؤخرا، ويؤكده تقرير صادر حظيثا عن منتدى الاقتصاد العالمي. 

وإذا كان التقرير قد حدد خمسة "مخاطر" على وجه التحديد يتعين على الاقتصاد المصري التصدي لها خلال العام، فإن القاسم المشترك بين هذه المخاطر، ارتباطها جميعها ببعضها البعض، لتؤثر على الأعمدة الرئيسية للاقتصاد المصري، بصورة تدفعنا إلى الحزم بأن مصر هي الأكثر تضررا على الإطلاق من مثل هذه التطورات، رغم حقيقة أنها ما زالت حتى الآن قادرة، حكومة وشعبا، على إظهار القدر الكافي من الصلابة والصمود في مواجهة كل هذه التغيرات السلبية، التي لا دخل لها فيها.

التقرير الدولي يحذر بطبيعة الحال من مخاطر "الصراعات المسلحة" على اقتصاديات دول المنطقة، ومن بينها مصر، في ضوء ما يجري في قطاع غزة على وجه التحديد، وما يرتبط بذلك من تهديدات أمنية غير مسبوقة لحركة الملاحة في البحر الأحمر.

وكان التقرير الذي يحمل عنوان "تطور المخاطر" محقا تماما عندما ألحق مشكلة اللاجئين بقائمة مخاطر الحروب والنزاعات، إذ ليس خافيا على أحد، حجم الضرر الذي يمكن أن تتعرض له مقدرات أي دولة اقتصاديا، في حالة استضافتها لنحو مليون لاجيء، بينما في حالة مصر، وصل عدد اللاجئين إلى تسعة ملايين لاجيء، الجزء الأكبر منهم انتقل إليها خلال العامين الأخيرين فقط، وبخاصة بسبب الصراع الأهلي الدائر في السودان، لدرجة انطلاق حملات إعلامية على صفحات التواصل الاجتماعي، للمطالبة بفتح ملف اللاجئين المقيمين في مصر، لتأثير ذلك على الاقتصاد، وهو ما اضطر مسئولي الحكومة إلى مجلس النواب إلى البدء في إجراء "حسابات" حول تأثير وجود هذا الكم من اللاجئين على الاقتصاد المحلي، وهو أمر من حق مصر تماما، خاصة وأنها تعاملت منذ البداية بنهج إنساني أخلاقي رفيع حيال قضية اللاجئين، بعكس دول أخرى.

ولا شك في أن خطر الصراعات الخارجية هو الخطر الأكبر الذي تواجهه مصر في الوقت الحالي، لأنه العنوان الأبرز وراء مشكلات اللاجئين وتوترات البحر الأحمر، وتضرر عائدات قناة السويس، وهو ما يعني أن مصر التي طالما افتخر شعبها بموقعها الجغرافي المتميز، صارت الآن تعاني من أعباء هذا الموقع، وبخاصة، بعد تضررها من نزاعات ليبيا والسودان وغزة، واليمن، ونجاحها في الحفاظ على استقرارها وثبات اقتصادها في خضم هذه المنطقة الملتهبة.

وخلال الأيام الـ١١ الأولى فقط من العام الجديد ٢٠٢٤، وبسبب استهداف ميليشيات الحوثي اليمنية المدعومة من إيران للقطع البحرية في مضيق باب المندب، تراجعت إيرادات قناة السويس ٤٠٪ دفعة واحدة خلال تلك الفترة، مقارنة بإيرادات الفترة نفسها من العام الماضي، رغم تأكيد الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس في تصريحات متكررة بأنه لا يزال مبكرا أمام إمكانية تحديد حجم الضرر العائد على القناة من عدمه، في ظل إمكانية حل أزمة الملاحة في البحر الأحمر قريبا، بدلا من امتداد أجل الأزمة، علما بأن لأزمة غزة وهجمات الحوثيين تأثيرات سلبية أخرى على عائدات السياحة، وارتفاع أسعار البترول العالمية بصورة تضع مزيد من الضغوط على فاتورة دعم الوقود. 

والمشكلة أن الموقف الحالي لا يزال يئن من تداعيات أزمات خارجية وعالمية أخرى لا علاقة بمصر بها، مثل جائحة كورونا وحرب أوكرانيا، والمسئولتان عن موجة التضخم الراهنة في مصر والعالم.

وبطبيعة الحال، كانت "الصراعات" هي الكلمة "الأم" وراء المخاطر الأربعة الأخرى التي وردت في التقرير الدولي، وهي: الركود، والتضخم، والبطالة، والدين العام. 

فبالنسبة للركود، يتحدث التقرير عن أنه لا يمثل مشكلة مصرية فحسب، بل عالمية أيضا، وهو الخطر الأكبر الذي يهدد ٦٧ دولة على مستوى العالم، من إجمالي الدول الـ١١٩ التي أجريت عليها الدراسة أو التقرير. 

وبالنسبة للتضخم، الخطر الثالث، فقد سجل البنك المركزي المصري تضخما سنويا نسبته ٣٥،٢٪ في ديسمبر الماضي، غير أن النسبة كانت قياسية في شهر مايو الماضي، وبلغت ٤٠٪، وهو ما نتج عنه بطبيعة الحال تراجع معدلات النمو. 

وبالنسبة للخطر الرابع، وهو البطالة، فهو تهديد مجتمعي له تداعيات كبيرة، خاصة وأننا نتحدث عن نسبة تصل إلى ٧،١٪، وعن مجتمع يحتاج إلى استيعاب تشغيل مليون شخص كل عام على الأقل، بسبب تزايد السكان بمعدلات أعلى من معدلات النمو. 

وأما فيما يتعلق بالخطر الخامس، وفقا للتقرير، فهو ارتفاع نسبة الدين العام للناتج المحلي، لأكثر من ٩٦٪ قبل نهاية العام المالي الماضي، فضلا عن تأثيرات ارتفاع سعر الدولار التي أضافت أكثر من ١،٣ تريليون جنيه إلى رصيد الدين الخارجي، فضلا عن عبء فوائد الديون.

ورغم كل ما ورد في التقرير، فما زال الاقتصاد المصري يبدي صمودا في مواجهة كل هذه المخاطر، بفضل إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وبدء توجه الدولة نحو القطاع الخاص، ومواصلة مسيرة المشروعات الكبرى التي توفر فرص عمل للشباب، فضلا عن حزم الحماية الاجتماعية التي أعلنت عنها وزارة المالية مؤخرا للتخفيف عن المواطنين.

ولا شك في أن الهدوء والحكمة من جانب الدولة، والتماسك والوعي من جانب المجتمع، أمور كفيلة بتأكيد قدرة الاقتصاد المصري على عبور هذه الموجة العاصفة من المخاطر.