أبى عام 2020 إلا أن يفارقنا دون أن يزيد من أوجاع مجتمع المال والأعمال، عقب رحيل رائد الصناعة الوطنية وإمبراطور صناعة السجاد المصري، رجل الأعمال محمد فريد خميس الذي وفاته المنية في سبتمبر الماضي بإحدى المستشفيات الأمريكية بعد صراع مع المرض.
أمتدت تجربة "خميس" الفريدة، لأكثر من
أربعون عامًا، حيث بدأت رحلته عندما تخرج في كلية التجارة عام 1960، وسافر بعدها
إلي دولة الكويت ليؤسس شبكة كبري لتجارة السجاد والموكيت في المنطقة العربية، ثم
عاد إلي مصر عام 1978 ليبدأ فصلا جديدا من رحلة كفاحه الطويلة، ويقرر بناء واحدا
من قلاعه الصناعية الشامخة في صناعة السجاد بمصر والشرق الأوسط، الذى حمل أسم
" النساجون الشرقيون" بمدينة العاشر من رمضان، وبدأ تشغيله عام
1981، لتتوالى بعدها توسعاته التي انتهت
بتكوين إمبراطورية "النساجون الشرقيون" التي تستحوذ على أكثر من 80% من
صناعة السجاد الميكانيكي في مصر، وتمتد أذرعها لخارج القطر المصري، من الولايات
المتحدة الأمريكية، إلى الصين، لتكون اكبر مصنع للسجاد الميكانيكي في العالم.
ويندرج تحت مجموعة النساجون الشرقيون اكثر من 20
شركة من أهمها الشرقيون للبتروكيماويات، المصنعة لخام البولي بروبيلين المادة
الخام الرئيسية لتصنيع السجاد، و الشركة المصرية للألياف وتصنيع الموكيت، فضلا عن
الشرقيون انترناشونال، والشرقيون للتنمية العمرانية.
وخلال 2020، بلغت القيمة السوقية لشركة النساجون
الشرقيون في البورصة المصرية، 12 مليار جنيه، ونجحت إمبراطورية فريد خميس في تحقيق
ارتفاع في صافي أرباحها، حيث سجلت 607.9 مليون جنيه خلال التسعة أشهر الأولي من
العام وفقا للقوائم المالية المعلنة في البورصة المصرية، كما حققت المجموعة مبيعات
بقيمة 6.6 مليار جنيه خلال نفس الفترة.
وفي
فبراير الماضي، كشفت المجموعة عن خطة استثمارية بقيمة 10 ملايين دولار، لشراء ثلاث
أنوال جديدة وماكينات نجيل صناعي وتعبئة وتغليف، وطباعة، تستخدم في انتاج النجيل
الصناعي، وأحدى أصناف السجاد الحديثة، كما شملت الخطة إضافة 20 فرعا جديدا، لفروع
التوزيع البالغ عددها 255 فرع منتشرين في أنحاء الجمهورية.
ومؤخراً ، أعلنت النساجون الشرقيون عن مشاركتها في مبادرة
الحكومة بخصوص السداد الفوري لمـستحقات دعم الصادرات، مقابل تنازل الشركات عن 15%
منها، وبالفعل، حصلت قبل أيام على مبلغ 235 مليون جنيه من مستحقاتها البالغة 317
مليون جنيه، عن صادراتها حتى 30 يونيو 2019.
وكان لشركة الشرقيون للتنمية العمرانية أيضا،
مساهمات واسعة خلال 2020، حيث وقعت الشركة خلال النصف الثاني من 2020 عقودا من 8
شركات مقاولات بقيمة مليار جنيه، لتنفيذ الاعمال الانشائية في مشروعي "
جنوب" بالعاصمة الإدارية الجديدة، و"أزادير" بالقاهرة الجديدة.
وبتوجيهات من "خميس"، عملت الشرقيون
للتنمية العمرانية وبالتعاون مع شقيقتها "الشرقيون للمشروعات الصناعية"
على وضع اللبنات الأولي لمدينة " الشرقيون الصناعية"، احدى كبري المناطق
الصناعية في قلب العين السخنة بمساحة 10.5 مليون متر مربع، وبتكلفة استثمارية 13
مليار جنيه، حيث نجحت الشركة خلال الأشهر الأخيرة في توقيع 15 عقد مع كبري الشركات
الصناعية ضمن المرحلة الاولي للمدنية على مساحة 2 مليون متر مربع، وتتفاوض حاليا
مع شركات اجنبية وعربية اخري.
ولعب محمد فريد خميس دورا كبيرا في تعزيز دور
رجال الاعمال الوطنيين في مجال المسؤولية المجتمعية، وكان لا ينظر للمسؤولية
بوصفها "إحسانا" بل كان يراها واجبا وطنيًا يدعم الانتاج والاقتصاد،
ليترجم تلك الرؤية بتأسيس "مؤسسة فريد خميس لتنمية المجتمع"، التي لعبت
دور كبيرا في إعادة ترميم المدارس وبناء المستشفيات، وإطلاق القوافل الطبية، ودعم
النوابغ والمتفوقين في شهادات الثانوية العامة، حيث حرص كل عام على إقامة حفل ضخم
لتكريم الأوائل من طلاب الثانوية العامة في محافظات مصر، وتكفل بتحمل كامل تكلفة
دراستهم الجامعية مجانًا، كما اهتم بإعادة بناء القري الفقيرة وترميم دور العبادة ،
وليختتم مساهماته المجتمعية بالتبرع بنحو 7 ملايين جنيه لصندوق تحيا مصر لمكافحة
مرض كورونا.
وفي التاسع عشر من سبتمبر الماضي فاضت روح محمد
فريد خميس إلى بارئها، ليرحل بعد مسيرة حافلة بالإنجازات، ليصطف الالاف من عمال
مصانعه في استقبال جثمانه، وتشييعه إلى مثواه الأخير في مشهد مهيب، يبرهن على مدى
الحب والتقدير الذي تركه "خميس" في نفوس العاملين بصروحه الصناعية،
ليرقد جسده في مقابر تقع على مرمى حجر من مصانع النساجون الشرقيون بالعاشر من
رمضان حسبما أوصى قبيل وفاته.