ألقت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، كلمة مصر خلال القمة الكورية الأفريقية، التي تُعقد بالعاصمة سول، حيث تُشارك كرئيسة للوفد المصري نيابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسي.
ويرأس القمة الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، ومحمد ولد الغزواني رئيس موريتانيا، وذلك بمشاركة 48 دولة أفريقية مُمثلة على مستوى رؤساء ورؤساء حكومات دول القارة.
وأوضحت وزيرة التعاون الدولي أن العلاقات بين مصر وكوريا الجنوبية تعد مثالاً يحتذى به في قوة ومتانة الروابط الثنائية التي تمتد عبر الزمن، حيث قامت جمهورية كوريا بدور بارز في تنفيذ العديد من المشروعات الناجحة في مصر، خاصة بعد تصنيف الحكومة الكورية لمصر كدولة شريكة ذات أولوية في مجال التعاون الإنمائي وضخ مزيد من التمويلات المتنوعة لتعزيز فرص التعاون الاقتصادي والتنموي والاستثماري بين البلدين، ووصل إجمالي محفظة التعاون الاقتصادي بين البلدين إلى 1.3 مليار دولار، مؤكدة تطلع مصر لاستكشاف آفاق جديدة لتوسيع وتعزيز شراكتنا الاستراتيجية، مما يساهم في تحقيق التقدم والازدهار المشترك لشعوبنا.
وذكرت وزيرة التعاون الدولي، أن القمة الكورية الإفريقية الأولى تأتي في ظل منعطف مهم على مستوى العمل الإفريقي، سواء على مستوى الإنجازات التي تحققت أو التحديات التي تواجهها القارة. ففي الوقت الذى انتهت فيه القارة من إتخاذ الكثير من الخطوات لتفعيل منطقة التجارة الحرة القارية، وكذلك الانتهاء من الخطة العشرية الأولى لتنفيذ أجندة التنمية ٢٠٦٣ خلال العام الحالي، والتي تركز على الإسراع بمعدلات تنفيذ الرؤية الاستراتيجية للقارة الإفريقية لتنفيذ أولويات التنمية، فإن القارة لا تزال تواجه العديد من التحديات السياسية والأمنية مثل النزاعات الداخلية، والإرهاب، والهجرة غير المشروعة، وكذلك التحديات الاقتصادية والتنموية على رأسها تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على اقتصاديات دولها، وتداعيات تغير المناخ، والتصحر، والفقر المائي على الأمن الغذائي والاقتصادي في عدد كبير من الدول الإفريقية.
وأكدت أن مصر تحرص على لعب دور محوري في إطار التعامل مع التحديات التي تواجهها القارة الإفريقية على مختلف الأصعدة، سواء الاقتصادية التجارية منها أو السياسية والأمنية، لا سيما فيما يتعلق بمحور تحقيق التنمية والاستقرار وإعادة الإعمار، وهو ما انعكس في السياسات التي تتبعها مصر في إطار تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الرئيس رئاسة اللجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات وكالة الاتحاد الافريقي للتنمية African Union Development Agency AUD- AEPAD وريادة سيادته لملف إعادة الاعمار في القارة الإفريقية.
وذكرت أن اهتمام مصر بالتعاون الاقتصادي بين دول الجنوب بصفة عامة وإفريقيا بصفة خاصة، ينبع من إيمان راسخ بأن الدول التي تتشابه ظروفها الاقتصادية والاجتماعية، تكون أكثر قدرة على تعزيز التعاون فيما بينها من خلال مشاركة أنجح السياسات والممارسات التي أثبتت فعاليتها في مواجهة التحديات التي تواجهها، وعلى رأسها التغير المناخ وتداعياته، وتراجع البقعة الزراعية، الأمر الذي يؤكد ضرورة العمل سوياً علي دعم آليات التعاون لتحقيق الأمن الغذائي وتوفير المياه والتكنولوجيا الحديثة للري والزراعة، وهو ما يعتبر مجالا حيويا للتعاون المشترك ما بين الجانبين الكوري والإفريقي.
كما لفتت إلى أن الحكومة المصرية عازمة على مواصلة تبادل الخبرات مع الدول الإفريقية على صعيد مجال البنية التحتية من خلال القطاع الخاص، إذ انخرطت مصر في تجربة تنموية رائدة في بناء بنية تحتية حديثة، على مدار الأعوام الثمانية الماضية، والمثال الأبرز في هذا الصدد هو سد "جوليوس نيريري" في تنزانيا، الذي يعد نموذجًا يحتذى به، للتعاون بين الدول الإفريقية في المجال التنموي، ويتم تنفيذه بأيادٍ مصرية وتنزانية، فضلًا عن التوسع في إقامة برامج وورش عمل للمسئولين رفيعي المستوى والتنفيذين الأفارقة، وذلك بهدف تبادل المعرفة والخبرات بين الدول الإفريقية في مجالات حيوية مثل صياغة السياسات والاستراتيجيات الاقتصادية الرامية نحو التحول الأخضر وتدعيم ابتكار التقنيات لمكافحة التغير المناخي.
وشددت على أن التعاون الجنوب - الجنوب يعد بمثابة إطار واسع للتعاون بين الدول الناشئة والنامية في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتقنية، كما يعبر عن قدرة ورغبة الدول الناشئة والنامية في تجاوز النمط التقليدي لتلقي المساعدات الإنمائية الرسمية من الدول المتقدمة، ولكنه في الوقت ذاته لا يعد بديلاً للتعاون بين الشمال والجنوب، وإنما مكملاً لهذا التعاون، الذي يعد أمراً أساسياً لسد الفجوة التكنولوجية والمعرفية بين دول الشمال والجنوب.
ونوهت بأن الشراكات الدولية سواء بين بلدان الجنوب وبعضها البعض أو من خلال التعاون الثلاثي بين دول الجنوب ودول الشمال من أهم آليات التعافي الاقتصادي العالمي، لاسيما في إطار التوجه العالمي نحو التعافي الأخضر.
وتطرقت في كلمتها إلى ما قامت به وزارة التعاون الدولي من خلال الشراكة مع "النيباد" بإطلاق "استراتيجية التعاون بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي لتعزيز التكامل الاقتصادي" خلال شهر مايو 2023 على هامش الاجتماعات السنوية لبنك التنمية الإفريقي.
وقالت وزيرة التعاون الدولي إن مصر تؤكد في إطار الشراكة الكورية – الافريقية:
أولاً: أهمية دعم جهود القارة الإفريقية في تنفيذ الخطة العشرية الثانية وتحقيق أهداف أجندة التنمية للاتحاد الإفريقي ٢٠٦٣، وتعزيز جهود تعبئة الموارد لتحقيق التنمية الشاملة في القارة الإفريقية، ودعم وكالة الاتحاد الإفريقي للتنمية – النيباد المساعدة الدول الإفريقية من أجل تحقيق التنمية وتعزيز التعاون في المجالات ذات الأولوية في القارة الإفريقية.
ثانياً: التعاون لإيجاد موارد تمويلية جديدة وغير تقليدية في ظل ما يشهده العالم من أزمة اقتصادية تؤثر سلباً على جهود التنمية، وكذلك العمل على تحقيق إصلاح شامل للنظام المالي العالمي لمساعدة النامية في كفاحها من أجل سد الفجوة التمويلية وتلبية احتياجاتها لتحقيق التنمية المستدامة، والسعي لإيجاد حلول لأزمة الديون المتراكمة في إفريقيا، بما يمكن القارة من استعادة وتيرة التعافي الاقتصادي، وتشمل برامج مبادلة الديون من أجل التنمية والتحول الأخضر.
ثالثاً: دعم تمويل مشروعات القارة التنموية، وأهمية مواصلة تطوير مشروعات البنية التحتية في إفريقيا باعتبارها العامل الرئيسي نحو تحقيق التكامل القاري الاقتصادي والتجاري، والاستفادة من تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية لدفع عجلة التبادل التجاري بين الدول الإفريقية، وقالت إننا ونتطلع في هذا الإطار إلي تصميم المزيد من برامج المشاركة المعرفية Knowledge sharing بين كوريا والدول الإفريقية لما لها من مردود إيجابي لرفع القدرات الفنية لموظفي الدول المتلقية لهذه البرامج.
رابعاً: أهمية دعم القطاع الصحي في القارة، وإيجاد آليات للعمل الجماعي لتحسين الوصول الي اللقاحات وتحقيق الأمن الصحي في إفريقيا، والعمل على توطين الصناعات الطبية في إفريقيا وتحفيز مجالات البحث العلمي بها.
خامساً: تهيئة المناخ اللازم لجذب المزيد من الاستثمارات في إفريقيا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير فرص عمل مستدامة، والعمل علي زيادة معدلات النمو في الدول الإفريقية.
سادساً: فيما يتعلق بقضايا السلم والأمن، فإنه يتعين علينا العمل على تعزيز وتفعيل الرابط بين السلام والتنمية ودعم مركز إعادة الإعمار التابع للاتحاد الأفريقي، مع ضرورة احتواء أي آثار سلبية نتيجة التوترات والنزاعات الدولية على القارة الإفريقية، وتحجيم الانعكاسات السلبية الاقتصادية، بما في ذلك معدلات التضخم وارتفاع الأسعار في قطاع الطاقة والآثار السلبية على منظومة الأمن الغذائي.
سابعاً: تقديم الدعم لمراكز الخبرة والتميز القارية لمساعدة الدول الإفريقية على اجتياز العقبات ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وتمدد الجماعات المتطرفة.
ثامناً: العمل على نقل التكنولوجيا الحديثة للقارة، خاصة في مجال الصناعات المتطورة والتحول إلى الطاقة النظيفة، ومجال علوم الفضاء، والاهتمام بتجاوز آثار تغير المناخ والتي كان لها انعكاساتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وتطوير منظومة التعليم في الدول الإفريقية.
واخيراً: أهمية توفير آلية متابعة تنفيذ مخرجات القمة، وكذلك توفير الموارد اللازمة لتنفيذ المخرجات ذات الأولوية للطرفين.
وفي ختام كلمتها، أكدت رانيا المشاط أن القارة الإفريقية بما تملكه من ثروات وأياد عاملة شابة قادرة على تحقيق تقدم تنموي ومواجهة التحديات المختلفة بمساعدة الدول الشريكة، حيث أن ٦٠% من إجمالى سكان القارة تحت سن ٢٥ عاما، ومع تدشين منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية في عام ۲۰۱۹، تتطور إفريقيا بسرعة لتكون سوق واحدة يبلغ تعداد سكنها ١,٤ مليار وناتجها المحلي الإجمالي ٣,٤ تريليون دولار.
ونوهت بأن مصر تثمن الشراكة الكورية الإفريقية وترى فيها آفاقًا رحبة للتعاون وتحقيق الآمال المشتركة، وفي ذات الوقت تؤكد الحاجة إلى تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه من أولويات وأنشطة مشتركة لتحقيق الرفاهة والاستقرار في ربوع الجانبين وأهمية متابعة ذلك التنفيذ ورفع تقارير وتوصيات بشأنها إلى القمة المقبلة حتى يمكن تطوير تلك الشراكة المهمة.
وعلى هامش مشاركتها في القمة، التقت الدكتورة رانيا المشاط مع هي سونج يون، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لبنك التصدير والاستيراد الكوري KEXIM Bank، لمناقشة المشروعات المشتركة التي يقوم بنك التصدير والاستيراد الكوري بتمويلها في مصر في ضوء الشراكة بين البلدين من بينها مشروع تحديث نظم إشارات خط سكة حديد محور نجع حمادي والأقصر، الذي يعزز مستويات الأمن والسلامة بالسكك الحديدية، ومشروع توريد 32 قطارًا للخط الثالث لمترو الأنفاق، وتحديث نظم الإشارات بخط سكة حديد الأقصر السد العالي، فضلًا عن التعاون في توطين صناعة القطارات في مصر من خلال مشروع تصنيع وصيانة 320 قطارًا للخطين الثاني والثالث لمترو الأنفاق، بالتعاون بين الشركات الكورية وهيئة سكك حديد مصر.
كما أكدت وزيرة التعاون الدولي، على أهمية مشروع قناة السويس الخضراء، بهدف تعزيز التحول الأخضر في القناة بحلول عام 2030، وذلك من خلال استبدال القوارب التي تعمل بالوقود التقليدي لتعمل بالغاز المسال بما يقلل تلوث الهواء والآثار السلبية على النظم البيئية، مشيرة إلى أن التحول الأخضر وتحسين النظم الصديقة للبيئة من أهم الأهداف التي تعمل عليها الحكومة في ضوء تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 من خلال التعاون مع شركاء التنمية.
واتفق الجانبان على أهمية المضي قدمًا في دعم مشروعات المناخ والتحول إلى الاقتصاد الأخضر، كما بحثا التعاون في مجال تحلية المياه، والزراعة.
وأشارت رانيا المشاط إلى أهمية التعاون الجاري مع بنك التصدير والاستيراد الكوري، وضرورة توسيع نطاقه بما يشمل المزيد من شركات القطاع الخاص في ضوء اهتمام الدولة بتوسيع مظلة مُشاركة القطاع الخاص في قيادة جهود التنمية، والتوسع في جهود توطين الصناعة في مختلف المجالات.
وثمنت وزيرة التعاون الدولي، تطور العلاقات المشتركة بين مصر وكوريا الجنوبية التي تحظى بدعم كبير من قيادتي البلدين، والتي تظهر في اختيار مصر شريكًا استراتيجيًا لكوريا الجنوبية فيما يتعلق بخطط التعاون الإنمائي للفترة من 2021-2025، فضلًا عن التطور المستمر في مجالات التعاون، مشددة على أن تدشين مكتب للبنك في مصر لأول مرة يعكس الفرص الكبيرة والضخمة المتاحة للتعاون بين الجانبين، كما سيعزز من فرص خلق الشراكات البناءة مع القطاع الخاص في مصر.
ومن جانبه، رحب رئيس البنك الكوري للتصدير والاستيراد بوزيرة التعاون الدولي، مؤكدًا حرص البنك على المضي قدمًا في تعزيز التعاون مع مصر في مختلف المجالات، لافتة إلى اهتمام البنك بقطاعات التحول الرقمي ودراسات الجدوى والتمويل المختلط، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لدعم مجالات التحول إلى الاقتصاد الأخضر.