الأثنين 23 ديسمبر

سيارات

السيارات الكهربائية لا تزال "سيارة ثانية" في السعودية وسط تحديات


السيارات الكهربائية تواجه تحديات في السوق السعودي

قرر الموظف السعودي حمد الرفدان شراء مركبة كهربائية سيستعملها كـ"سيارة ثانية" من دون الاستغناء عن سيارته الرباعية الدفع التي تلتهم الوقود، في المملكة الخليجية الساعية لتكون مركزا لصناعة السيارات الكهربائية مع إطلاق علامة محلية.

وفي أكبر بلد مصدّر للنفط بالعالم، يفضل السكان السيارات الكبيرة المستهلكة للوقود بشكل كبير. لكن أحيانًا يكون المصروف المترتب عنها سببًا للتوجه نحو السيارات الكهربائية، رغم أنّ سعر لتر البنزين لا يتجاوز 2,33 ريال (0.62 دولار) ولا يمكن مقارنته بأسعار الوقود حول العالم.

وكانت الأسعار المرتفعة لسيارات "لوسيد" السعودية الأميركية (نحو 346 ألف ريال ما يوازي 92 ألف دولار) و"تيسلا" الأميركية التي لا وكيل لها في السعودية، أحد أسباب إحجام السكان عن شراء السيارات الكهربائية، لكنّ دخول شركة "بي واي دي" الصينية السوق بأسعار مقبولة، غيّر المعادلة.

وفيما كان يتفقد سيارته الكهربائية الصينية التي كلفته أكثر بقليل من 200 الف ريال (53,3 الف دولار)، قال الرفدان (39 عاماً)، وهو موظف في قطاع الموارد البشرية في شركة خاصة، "ما جعلني اتوجه للسيارة الكهربائية هو الجانب الاقتصادي... لديّ سيارة دفع رباعي تستهلك شهريا وقودا بقرابة 1800 إلى 2000 ريال (480-533 دولاراً)".

وأضاف الرفدان مبديا إعجابه بمقدمة السيارة السوداء التي لا تحتوي سوى على بطارية كبيرة بدون محرك: "كما أنه لا توجد تكلفة للصيانة الدورية للسيارة مثل (تغيير) مختلف الزيوت وفحمات المكابح"، التي كانت تكلفه مئات الريالات شهريا. وقد أبدى الرأي نفسه أكثر من ثلاثة سعوديين مهتمين بالسيارات الكهربائية كانوا في المعرض.

كما أكد الرفدان أن خياره مبنيّ أيضًا على "أسباب بيئية فهي (السيارات الكهربائية) تساعد في خفض حرارة المدن".

وباتت العاصمة الرياض البالغ عدد سكانها أكثر من ثمانية ملايين نسمة، مزدحمة راهنا بشكل كبير وتشهد اختناقات مرورية حادة في أوقات الذروة، ما يزيد من استخدام الوقود بلا داعٍ.

وتشكل المسافات الكبيرة بين المدن السعودية الرئيسية عائقا كبيرا امام انتشار السيارات الكهربائية في المملكة، رغم جدواها الاقتصادية داخل المدن.

تبلغ المسافة بين الرياض وجدة، ثاني كبرى مدن البلاد (غرب)، نحو 950 كيلومترا وهو ما يتجاوز المدى الأقصى لمعظم بطاريات السيارات الكهربائية المتاحة، البالغ نحو 400 كيلومتر.

وقال الرفدان "سأستخدمها داخل مدينة الرياض لكن يستحيل استخدامها للسفر خارجها، لا يمكن المغامرة خصوصا أنّ البنية التحتية في بدايتها".

ودفعت المخاوف بشأن البنية التحتية وخصوصا بسبب عدم توافر محطات شحن، السلطات لإطلاق شركة البنية التحتية للمركبات الكهربائية (إيفيك) التي تسعى لتركيب خمسة آلاف شاحن موزعة على أكثر من ألف موقع شحن بحلول عام 2030.

وبدأت الشركة بالفعل تركيب عدد منها في مرائب المراكز التجارية لكنّ مستخدمين اشتكوا من أنّ عددا من نقاط الشحن حول المدينة خارجة عن الخدمة.

ورأى الخبير في مجال السيارات حسام عراقي أنّ التحديات تتجاوز البنى التحتية.

وقال إنّ "معظم السيارات الكهربائية المنتَجَة راهنا صغيرة إلى متوسطة وهو ما لا يتناسب مع احتياجات الأسر السعودية الكبيرة العدد"، مشيرًا إلى عوامل أخرى منها تأثير ارتفاع درجات الحرارة الشديدة في منطقة الخليج على كفاءة البطاريات.

ولا تزال هذه السوق صغيرة في السعودية التي استوردت 779 سيارة كهربائية خلال 2023 مقابل 210 سيارات في 2022، على ما أفادت صحيفة "الاقتصادية" اليومية في نيسان/ابريل الماضي.

وتوقع مدير مبيعات شركة صينية للسيارات الكهربائية في الرياض المصري حسن محمد أنّ تشهد سنة 2024 زيادة كبيرة في مبيعات هذه السيارات في السعودية.

وفيما كان سعوديون يجرون اختبار قيادة لسيارات كهربائية في معرض "بي واي دي" الجديد في شمال الرياض، قال محمد إنّ "هناك إقبالا جيدا على السيارات الكهربائية حاليا. أكثر من علامة سيارات فتحت أبوابها في المملكة وبات لها خدمة ما بعد البيع وهو ما شجع المستهلكين".

وفي انتظار انتهاء تحضير البنى التحتية، قررت الشركة الصينية توفير الشواحن مجانا لتركيبها بمنازل العملاء، وهو ما تقدمه الآن أيضا شركة "لوسيد" السعودية الأميركية لتحفيز عمليات البيع.

وأكد محمد أن "الموضوع أبسط من أن تتوافر الشواحن في كل مكان بالشوارع... المستخدم يحتاج إلى شحن سيارته لخمس وست ساعات أثناء نومه ليجدها بالمدى الكامل صباحا".

وشكّلت السيارات الكهربائية نحو 18% من جميع السيارات المباعة حول العالم في 2023، ما يعكس ارتفاعًا من 14% عام 2022 و2% فقط قبل 5 سنوات في 2018، بحسب تقرير للوكالة الدولية للطاقة.

وسُجلت قرابة 14 مليون سيارة كهربائية جديدة على مستوى العالم عام 2023، 95% منهم في الصين والولايات المتحدة وأوروبا، ليصل إجمالي عددها على الطرق إلى 40 مليونًا، بحسب التقرير ذاته.

وتهدف السعودية التي تسعى إلى تنويع اقتصادها المرتهن بالنفط، أنّ تكون مركزا لهذه السوق المهمة والناشئة.

ويمتلك صندوق الاستثمارات العامة، صندوق الثروة السيادي، 60 بالمئة من شركة "لوسيد" التي افتتحت مصنعا في جدة.

كما اتفقت مع شركة "هيونداي" الكورية الجنوبية على بناء مصنع على الأراضي السعودية ينتج سيارات تعمل بالكهرباء والغاز، بالإضافة إلى إطلاق علامتها المحلية "سير" في 2022.

وقال وزير الصناعة السعوديّ بندر الخريف في مقابلة مع وكالة فرانس برس في شباط/فبراير الفائت: "نحن مسؤولون عن تنفيذ استراتيجية تهدف إلى إنتاج 300 ألف سيارة" كهربائية، بدون أنّ يحدد وقتا زمنيا.

وأشار الوزير إلى محادثات "مع مختلف الشركات المصنعة للبطاريات" التي عدّها "جزءًا أساسيًا جدًا" من صناعة المركبات الكهربائية.

وتنسجم تلك الخطط مع سعي السعودية لتحقيق الحياد الكربوني في 2050.

لكنّ المصري عمر الشامي المقيم في المملكة، قرر إمساك العصا من المنتصف وشراء سيارة تعمل بالوقود ويمكن شحنها بالكهرباء.

وقال الصيدلي البالغ 43 عاما وهو يشحن سيارته البيضاء التي اشتراها لزوجته، إنّ "التوازن بين الكهرباء والبنزين سيكون موفرا وسهلا... قد يتغير الأمر في المستقبل مع انتشار الشواحن وتعزيز سرعة الشحن".

وبالنسبة للسعودي الرفدان، فإن الاستغناء عن الوقود وسهولة ملء خزان السيارة هو أمر "يحتج وقتًا" وكذلك بالنسبة "للاعتياد على العودة للمنزل وشحن السيارة كما نشحن جوالاتنا".