الجمعة 22 نوفمبر

تقارير

بـ"التمويل العقاري" .. هل يصبح "الإسكان" قاطرة الاقتصاد المصري حتى 2050؟


ارتفاع قطاع العقارات بالبورصة المصرية

لا مبالغة في القول بأن "التمويل العقاري" ينبغي أن يكون مشروعا قوميا لمصر خلال السنوات المقبلة.

ولا جدال في أن قطاع الإسكان بإمكانه أن يكون القاطرة الرئيسية لنمو الاقتصاد المصري إذا أدير برؤية مستقبلية قادرة على تلبية الطلب الهائل على الإسكان، وبخاصة في ظل الزيادة السكانية الحالية، والمتوقعة أيضا، خاصة لما يستطيع هذا القطاع أن يوفره للدولة من إنعاش للأسواق وخلص لفرص العمل.

هذه الأيام، تسابق مصر الزمن لتلبية الاحتياجات العقارية الهائلة التي تفرضها الزيادة السكانية، وارتفاع معدلات شريحة الشباب بين إجمالي عدد السكان.

ولكن، حتى اللحظة، لا تزال وتيرة الزيادة السكانية تسير بمعدلات أسرع بكثير من معدلات النمو في قطاع الإسكان، بسبب الصعوبات الكثيرة التي تحيط بعملية الحصول على سكان خاص، ولا تحلها سوى "ثورة" في عملية التمويل العقاري، لتمكين قطاعات كبيرة من المصريين على تملك وحدة سكنية خاصة.

وعلى الرغم من الجهد غير المسبوق الذي بذلته وتبذله الدولة لإنشاء المدن الجديدة، وتطوير المدن الكبرى، ومشروعات الإسكان الاجتماعي، ونقل سكان المناطق غير الآمنة إلى إسكان بديل، فإن كل هذه الجهود تبدو ضئيلة للغاية، وغير كافية، إذا ما قورنت بحجم الطلب المتوقع، الذي تفرضه معدلات زيادة السكان، فالأرقام الرسمية تشير إلى أن عدد سكان مصر الآن وصل إلى 102,5 مليون نسمة،على الرغم من أن التوقعات كانت تشير إلى أن عدد السكان في عام 2030 كان سيبلغ 104,4 مليون نسمة، ولكن الزيادة بالوتيرة الحالية تشير إلى أن سكان مصر في عام 2030 سيبلغ أكثر من 120 مليون نسمة، بما يعني أن عدد السكان في مصر سيفوق عدد سكان 15 دولة أوروبية مجتمعة.

الرئيس عبد الفتاح السيسي حذر أكثر من مرة من خطورة الزيادة السكانية، لاستحالة لحاق معدل النمو الاقتصادي بها، أيا كان حجمه.

في أحدث المناسبات التي تناول فيها الرئيس هذا الموضوع، كان الرئيس يفتتح عددا من المشروعات السكنية بمدينة بدر، وكان ذلك بتاريخ 14 أغسطس الماضي، فقال حرفيا إن "النمو السكاني فوق طاقة البلد، وستترتب عليه ممارسات وسلوكيات، وسيؤدي إلى تدمير الدولة، أو كاد يؤدي إلى تدمير الدولة في 2011".

الرئيس في تصريحات أخرى توقع أن يصل عدد سكان مصر إلى 195 مليون نسمة قبل عام 2050، وهو ما يعني أن مصر قبل 2050 يجب أن تبني عددا من الوحدات السكنية، يفوق عدد الوحدات المتاحة فيها حاليا.

تحذيرات الرئيس، وخطورة الأرقام المتعلقة بالزيادة السكانية، تشير إلى أن عام 2030 يجب أن يشهد استعدادا جيدا له، على الأقل من ناحية توفير السكان الملائم لتلبية الطلب المتوقع، وإلا، ستكون العواقب ازدياد حالات اليأس والاحتقان بين قطاعات كبيرة من المجتمع، وبخاصة الشباب.

ربما تكون العاصمة الإدارية الجديدة، والمدن الجديدة الأخرى، ومشروعات الإسكان المتنوعة، قادرة على تلبية جزء من الطلب، ولكنها لن تكون قادرة على حل المشكلة، والحل السحري الوحيد القادر على منع حدوث هذه الأزمة هو استراتيجية جديدة وشاملة للتمويل العقاري، قادرة على منع تفاقم الأزمة قبل عام 2030، وخلق "مصر جديدة" تماما بحلول عام 2050.

الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء سبق أن تناول هذه النقطة قبل توليه مهام منصبه،

هشام طلعت مصطفى الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لمجموعة "طلعت مصطفى القابضة" تحدث عن هذه النقطة بوضوح أيضا، محذرا من أن التحديات التي تواجه مصر خلال الثلاثين سنة المقبلة كبيرة جدا، لأنه، لا يوجد حاليا في مصر سوى 22 مليون وحدة سكنية، ولكننا سنحتاج إلى بناء نحو 30 مليون وحدة جديدة قبل عام 2030.

وقال أيضا إننا بحاجة إلى التفكير خارج الصندوق من أجل البحث عن مصادر تمويلية تعالج هذه الفجوة بين الإسكان والسكان، وتحدث تحديدا عن ضرورة عقد مؤتمر اقتصادي موسع بمشاركة الجهات التمويلية وفي مقدمتها البنك المركزي، لبحث سل تنفيذ هذه الخطة التي من شأنها زيادة الناتج المحلي لمصر بنحو تريليوني جنيه.

وربما تكون الدولة قد نجحت في غضون سنوات قليلة، في تسريع وتيرة بناء المجتمعات العمرانية الجديدة، فتحقق في هذه السنوات ما تحقق في عقود، ولكن ما زال يتعين تحقيق الكثير، لأنه بناء على حجم الزيادة السكانية المتوقع، وتحذيرات الرئيس، وما قاله هشام طلعت مصطفى،، فإننا بذلك سنكون في حاجة إلى بناء 30 مليون وحدة جديدة بالفعل قبل 2030، يضاف إليها مثلها قبل 2050.

ونظرة سريعة على التطور الذي لحق بالسوق العقارية، تشرح لنا كيف انتقلت مصر من مرحلة مدن الجيل الأول، مثل السادات والعاشر من رمضان و6 أكتوبر وبرج العرب الجديدة في الفترة من 1977 إلى 1982، إلى مرحلة مدن الجيل الثاني مثل الشروق والعبور والشيخ زايد والقاهرة الجديدة وبدر من 1982 إلى عام 2000، ثم إلى مرحلة مدن الجيل الثالث مثل الأقصر الجديدة وأسيوط الجديدة وأسوان الجديدة وغيرها من 2000 إلى 2014، وهي الآن في مرحلة مدن الجيل الرابع التي شهدت إنشاء 14 مدينة في الفترة من عام 2014 وإلى الآن، من بينها العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة والمنصورة الجديدة والجلالة وحدائق العاصمة وغيرها الكثير.

حتى مبادرة التمويل العقاري تم تطويرها، ما بين ما يسمى بمبادرة الـ8%، ومبادرة الـ3%، في إشارة إلى نسبة الفوائد المقررة من قبل البنك المركزي.

وفي مبادرة الـ3%، والتي أعلن عنها البنك المركزي في 13 يوليو الماضي، يبلغ ثمن الوحدة لمحدودي الدخل أقل من 350 ألف جنيه، ولمتوسطى الدخل أقل 1,4 مليون جنيه، لكن لو ارتفع سعر الوحدة عن 1,4 مليون جنيه يتم التعامل بمبادرة التمويل العقارى بفائدة 8% المتناقصة، شريطة ألا تزيد قيمة الوحدة عن 2,5 مليون جنيه.

وتنطبق هذه المبادرة على محدودي الدخل الذين يتم تحديد قيمة الدخل والوحدات الخاصة بهم من خلال صندوق الإسكان الاجتماعي، بحيث يبلغ الحد الأقصى لصافي الدخل الشهري حالياً 4,5 ألف جنيه للأعزب و6 آلاف جنيه للأسرة، وتبلغ قيمة الوحدة حالياً 350 ألف جنيه مصري، ويتم دفع 10% دفعة مقدمة، في حين أنه بالنسبة لمتوسطي الدخل، فيبلغ الحد الأقصى لصافي الدخل الشهري 10 آلاف جنيه للأعزب و14 ألف جنيه للأسرة، ويتم سداد 15% دفعة مقدمة كحد أدنى من إجمالي قيمة الوحدة التي يصل سعرها حتى 1,1 مليون جنيه كحد أقصى، أما بالنسبة للوحدات التي يزيد سعرها عن 1,1 مليون جنيه وحتى 1,4 مليون جنيه، فيتم دفع 20% دفعة مقدمة كحد أدنى من إجمالي قيمة الوحدة.

وتضم قائمة البنوك والشركات المشاركة في مبادرة التمويل العقاري عددا كبيرا من البنوك والمؤسسات، أهمها البنك الأهلي المصري وبنك مصر وبنك القاهرة وبنك ناصر الاجتماعي و"العربي الإفريقي الدولي" و"التجاري الدولي، وبنك قطر الوطني الأهلي، وفيصل الإسلامي.

وبدون خطة شاملة للتمويل العقاري يحول حلم شراء وحدة سكنية إلى واقع، ستكون زيادة عدد السكان عبئا، سواء بحلول 2030، أو بحلول 2050، والعكس صحيح.