يؤمن المصريون بنظرية "تغيير العتب"، من باب التفاؤل، والتي تناظر في علم التسويق عملية تغيير اسم الماركة التجارية Branding أو الشعار Logo أو الجملة الدعائية Slogan.
وتنفيذا لذلك، كانت أول خطوة قامت بها الدولة المصرية للقضاء على أخطر
مشكلة واجهتها على مدى أكثر من نصف قرن، هي تغيير مسمى "العشوائيات" إلى
اسم جديد آخر هو "المناطق غير الآمنة"، على أن يتم إطلاق مسمى
"السكن البديل للمناطق غير الآمنة"، على المساكن البديلة لسكان
العشوائيات.
من الناحية النفسية، ساعدت هذه التسميات الجديدة على "تغيير
العتب"، دون أن يقتصر الأمر على مجرد كلمات وشعارات يتم تداولها، فقد صاحب
تلك الخطوة قرارات وتحركات على الأرض على مدى سبع سنوات كاملة، من أجل تحقيق نهضة
عمرانية وسكانية متكاملة، تختفي معها تماما صور العشوائيات البشعة التي كانت
بمثابة "الرحم" للجهل والفقر والحرمان، وكل أشكال الخروج عن القانون،
بداية من التطرف والعنف، ونهاية بتفريخ الإرهاب.
القضية تم وضعها على رأس أولويات أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030،
بالتوازي مع رفع شعار "حياة كريمة"، رغم أننا نتحدث بالفعل عن ملف مليء
بالأشواك والفخاخ، وواجه مقاومة مجتمعية شديدة في بداياته.
بالأرقام، أنفقت مصر حتى الآن مبلغ 425 مليار جنيه على إزالة العشوائيات،
والمشروعات المرتبطة بها، ووضعت خطة تصبح بموجبها القاهرة تحديدا خالية من
العشوائيات قبل نهاية العام الحالي 2021، وها قد أوشكت الخطة على الانتهاء، بنجاح
هائل، يكاد يفوق تجربة البرازيل في مجال إسكان الفقراء، التي قادها الرئيس الأسبق
لولا دا سيلفا، علما بأن نصيب القاهرة بمفردها من رصيد تطوير المناطق العشوائية هو
16 مليار جنيه.
ومن أجل دقة أكبر، فإن المناطق غير الآمنة في مصر تصل إلى 357 منطقة،
وتكلفت 63 مليار جنيه، بينما المناطق غير المخططة، والتي يقطنها أكثر من سبعة
ملايين نسمة، فعددها 135 منطقة، بمساحة إجمالية 152 فدانا، وتكلفتها 318 مليار
جنيه، وتم الانتهاء من تطوير 56 منطقة منها، ويضاف إلى هذه وتلك الأسواق العشوائية
وعددها 1105 في مختلف أنحاء الجمهورية، وتكلفة تطويرها بلغت 44 مليار جنيه.
وكان في مصر قبل ذلك حوالي 364 منطقة عشوائية خطرة، بعضها يقع أعلى جبال،
والبعض الآخر أقيم على خطوط السكك الحديدية، والبعض كان يقع على مجاري السيول،
إضافة إلى مناطق أخرى غير لائقة وغير آدمية.
ومن أبرز مشروعات محافظة القاهرة لنقل سكان المناطق الخطرة، الأسمرات 1 و2
3، والمحروسة 1 و2، وأهالينا 1و2و3، وروضة السيدة 1و2، ومشروعات أرض الخيالة،
ومؤسسة "معا"، ومصنع 18 الحربي، والمنيل القديم، وشمال الحرفيين، وأرض
المسبك، وأرض العمدة، ومن أبرز المشروعات في الإسكندرية بشائر الخير، وهناك
مشروعات لم تكتمل بعد، مثل مثلث ماسبيرو، والتي تم خلالها استقطاع قطعة أرض تتسع
لألف وحدة لتسكين الراغبين من أهالي المنطقة بعد تطويرها، حيث حصلت 3200 أسرة على
تعويضات مادية، وحصلت 560 أسرة أخرى على شقق في الأسمرات.
صندوق تطوير العشوائيات أعلن أنه في عام 2030، لن تكون هناك مناطق غير
مخططة أو أي أسواق عشوائية في مصر.
كما يجرى تنفيذ خطط لإجلاء سكان المقابر في القاهرة والجيزة إلى مساكن
بديلة.
ويتوازى تطوير العشوائيات مع خطط أخرى لإنشاء المدن الجديدة التي وصل عددها
إلى 52 مدينة جديدة، بعد أن كانت هذه المدن قد توقفت في فترات سابقة عند 28 مدينة
فقط.
قبل سنوات قليلة، كان السائح الأجنبي يستطيع التجول بكاميرته في أي مكان
بالقاهرة الكبرى على سبيل المثال، ويلتقط ما يشاء من صور سكان المقابر،
والعشوائيات، والأماكن غير المخططة.
كانت صورا ولقطات معيبة، عانت منها سمعة مصر عقودا طويلة، دون أن نجد من
يحاول تغيير هذا الوضع.
ووصل الأمر إلى حد أن سكان هذه المناطق الخطرة أنفسهم كانوا يبدون تمسكا
فير مفهوم بالبقاء في مناطقهم العشوائية غير اللائقة، وغير الآمنة.
أما الآن، فلن يجد هذا السائح نفسه أفضل ما يصوره بكاميرته إلا هذه المدن
الجديدة، أو المناطق السكنية الآمنة، والتي تم نقل سكان المناطق الخطرة إليها، كما
يستطيع أن يستمع إلى أي من سكان هذه المناطق بعد نقلهم إلى مساكنهم الجديدة للحديث
عما حدث في حياتهم من تحول جذري، يستحق عليه من قام به أكثر من الإشادة.