يتعرض الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن إلى مجموعة من الازمات التي قد تسبب حالة من الركود في الأسواق العالمية والمحلية ، بسبب التخوفات من متحورات فيروس كورونا، وارتفاع معدلات التضخم عالميًا، والخلل الذي تتعرض له سلاسل إمداد التوريد، وهو الأمر الذي دفع صندوق النقد الدولي إلى تخفيض توقعاته لمعدلات النمو العالمي.
وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى %5.9 خلال العام الجاري، وهو ما يعكس انخفاضًا في أداء اقتصادات الدول المتقدمة، بسبب أزمات إمدادات الطاقة، فضلًا عن تداعيات كورونا.
وفي هذا الشأن، توقع خبراء ومصرفيون أن يواصل القطاع المصرفي التوسع في منح الائتمان المصرفي للشركات والأفراد، مستبعدين أن يكون هناك أي تحفظ من قبل البنوك في توفير التمويل اللازم، بهدف تحفيز النشاط الاقتصادى، في ظل التداعيات والأزمات التي يشهدها العالم في الوقت الراهن، مؤكدين أن البنوك تمتلك السيولة الكافية والقدرة على التوسع والنمو في منح الائتمان المصرفي على مستوى الشركات والأفراد وفق مجموعة من المحددات والمعطيات.
وأضافوا أن القطاع المصرفي يلعب دورًا محوريًا وبارزًا في دعم ومساندة الاقتصاد، سواء عبر تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة أو الشركات الكبرى، وكذلك تمويل الأفراد لشراء احتياجاتهم من السلع والمنتجات، من خلال القروض الشخصية وقروض السيارات والتمويل العقاري وغيرها.
وأشاروا إلى أن التحفظ في منح الائتمان يكون فقط بالنسبة للقطاعات الاقتصادية التي تضررت بشكل مباشر من تلك الأزمات، أو من قبل العملاء الذين تأثروا سلبًا من هذه التداعيات.
وأضافوا أن مبادرة البنك المركزي بخفض معدلات الفائدة على القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومبادرة التمويل العقاري تشجع على زيادة حجم الائتمان الممنوح، وتساعد على تحفيز النشاط الاقتصادي.
ووفقًا لتقرير صادر عن صندوق البنك الدولي، توقع نمو الاقتصاد العالمي في عام 2022 إلى %4.9، وانخفاضه مجددًا فى عام 2026 إلى %3.3.
وحذرت منظمة الأمم المتحدة من ارتفاع أسعار المستهلك بنسبة تصل إلى %1.5 خلال عامي 2022 و2023، وسط تزايد غير مسبوق للطلب العالمي بعد جائحة كورونا، وفي ظل عجز في العمالة، وارتفاع أسعار الشحن البحري، إذا لم يتم حل أزمة سلاسل الإمداد العالمية، لافتة إلى أن الدول الأصغر حجمًا والأقل نموًا ستكون المتضرر الأكبر من الأزمة.
وقال محمد برو، الرئيس التنفيذى لبنك الإمارات دبي الوطني، في تصريحات صحفية، إن القطاع المصرفي المصري يمتلك سيولة مرتفعة تلامس 6 تريليونات جنيه تقريبًا، وتعمل البنوك على توظيف السيولة بشكل جيد، مشيرًا إلى وجود تنوع في عملية التوظيف، وفي مجالات مختلفة مثل الأسواق المالية ودعم المشروعات التنموية والنمو الاقتصادي وتمويل الأفراد والتركيز على المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وأكد أن البنوك تعتمد على دراسات ائتمانية، لافتًا إلى وجود قطاع للمخاطر داخل كل بنك لتقييم العميل من أجل سلامة القطاع.
ورفض التعامل مع الاوضاع الحالية على أنها مستمرة أو قائمة بشكل نهائي ، مشيرًا إلى وجود متغيرات مستمرة.
ورأى أن المسار الاقتصادي أصبح أقل ارتباطًا بمسار كورونا، على خلاف بداية الأزمة، بسبب تأقلم العالم بشكل كبير مع الجائحة، حيث بدأت القطاعات الاقتصادية التكيف مع الوضع الراهن.
من جانبها، قالت ميرفت سلطان، رئيس مجلس إدارة البنك المصرى لتنمية الصادرات، إن تحفظ المصارف أو توسعها في منح الائتمان يكون وفقًا لمعطيات السوق، وأي تطورات قد تستجد عالميًا تؤثر على الاقتصاد المحلي بقطاعاته المختلفة.
وأضافت أن البنك يستهدف مواصلة استراتيجيته في التوسع والنمو في منح الائتمان المصرفي، سواء للأفراد أو الشركات.
وقال وليد ناجى، نائب رئيس مجلس إدارة البنك العقاري المصري، إن الاقتصاد المصري يشهد حالة من الاستقرار، وتمثل البنوك العمود الأساسي للاقتصاد، وتعد مكملًا ومؤشرًا له، وبالتالى لن يكون هناك داعٍ للتشدد أو التساهل في منح الائتمان.
وأضاف أن الاقتصاد المصري يحقق معدلات نمو صحية للغاية، وهو من أفضل معدلات النمو على مستوى اقتصاديات العالم، وبالتالي لا يوجد أي تخوف من حدوث انكماش إقتصادي، لافتًا إلى أن معدلات التضخم تسير ضمن مستهدفات البنك المركزي.
وتابع نائب رئيس مجلس إدارة البنك العقاري ، أن هذه المتغيرات على الاقتصاد المصري وعلى البنوك العاملة في السوق المصرية ضعيف،، مؤكدًا أن جميع القطاعات الاقتصادية تعمل بشكل جيد .
من جانبه، قال محمد عبد العال، عضو مجلس إدارة بنك قناة السويس السابق، أن هناك عددًا من المحاور يجب النظر إليها لتوقع مستقبل الائتمان المصرفي خلال الفترة المقبلة، في ظل التخوف من متحور كورونا وأزمة سلاسل الإمداد والتوريد وتأثيراتها على الوضع الاقتصادي عالميًا ومحليًا.
وأضاف أن المحور الأول يتمثل في السيولة الاي يمتلكها القطاع المصرفي المصري، وبالنظر إلى تقارير البنك المركزى نجد أن البنوك تمتلك سيولة تصل إلى 5.6 تريليون جنيه، وبالتالي البنوك لديها القدرة والسيولة الكبيرة التي تجعلها أكثر قوة في منح الائتمان، خاصةً أن نسبة توظيف القروض إلى الودائع بالقطاع المصرفي تبلغ نحو %50 تقريبًا.
وتابع عبد العال أن المحور الثاني يتمثل في مخاطر الائتمان، وفي هذا الشأن وضع البنك المركزي المصري مجموعة من المحددات لها، وفقًا للملاءة المالية، وكفاية رأس نسبة الأصول المرجحة بأذون المخاطر التي لا تقل عن %12 تقريبًا، إضافة إلى أن كل بنك لديه إدارة لمخاطر الائتمان أو متابعة الائتمان، وبالتالي تسير البنوك وفقًا لمؤشرات منضبطة ولا خوف من التوسع في منح الائتمان مع الأخذ في الاعتبار أن البنوك لا تتحمل معدل التعثر، وبالنظر إلى نسب التعثر في القطاع المصرفي تجدها %3.5 وهي أقل من النسب العالمية، إلى جانب حرص البنوك على زيادة حجم المخصصات خلال العامين الماضيين.
وأشار عبد العال إلى أن المحور الثالث يكمن في ظروف السوق الخارجية والدولية، التي لا يمكن توقعها حتى الآن، الا أن العوامل الخارجية التي قد تؤثر على العملية الإنتاجية تتمثل في المواد الخام التي يمكن أن تكون أكثر عرضة لهذا التأثير، نظرا لأزمة سلاسل الإمداد.
وأضاف أن الطلب على الائتمان لا ينخفض أو يتأثر نتيجة تحفظ البنوك، ولكن يحدث بسبب تحفظ العملاء أو القطاعات الاقتصادية التي تأثرت سلبًا من تلك الأزمات، مؤكدًا أنه لا يوجد أي تخوف من معدل التضخم العالمي حاليًا، فقد بدأت الدول معالجته، ومنها دول الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، كما أن أسعار النفط بدأت تتخذ مسارًا نزوليًا، لأنه لو ظلت الأسعار مرتفعة سيكون تأثيرها كبيرا على المنتجين في العالم.
وعن الوضع الداخلي، قال "عبد العال" إن معدل التضخم ما زال ضمن مستهدفات البنك المركزي المصري، و أن الحكومة اتخذت إجراءات استباقية للتقليل من أثر التضخم القادم من الخارج، مثل تحديد أسعار السلع الأساسية والسلع الاستراتيجية وإلزام شركات الأسمدة بتوفير %55 من إنتاجها لشركات الإنتاج الزراعي.
وأكد أن مبادرات البنك المركزي لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بفائدة %5 ، بما يؤدى إلى تقليل تكاليف الإنتاج وحدوث رواج إقتصادي، وكلها عوامل ستشجع على منح القروض والائتمان.
وقال الخبير المصرفى محمد البيه، إن أغلب المنتجين والمستوردين التفتوا مبكرين إلى أزمة سلاسل الأمداد والتوريد، وقاموا بتخزين المواد الخام والسلع التي تكفى لنحو 6 أشهر، وبالتالي لم يكن هناك شعور بهذه الأزمة، أو تأثير مزعج على أسعار السلع والمنتجات.
وأضاف "البيه" أن البنوك تهدف في النهاية إلى تحقيق الربحية، وبالتالي تسعى باستمرار إلى توظيف السيولة بالطريقة السليمة التي تضمن تحقيق هذا الهدف، سواء في صورة قروض للشركات والأفراد أو في خدمات مالية أو في أدوات الدين.
وأشار "البيه" إلى أنه من المتوقع أن تقوم البنوك بالتوسع في التمويل لتحفيز النشاط الاقتصادي، بغض النظر عن مستويات التضخم التي تظل عند مستهدفات البنك المركزي، ومن المتوقع أن تظل على نفس الوضع أو تزيد قليلًا خلال العام المقبل، مؤكدًا أن نحو %60 من تمويل الشركات لصالح القطاع الخاص.
وكشفت أحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزي المصري ارتفاع السيولة المحلية بالقطاع المصرفي لتصل إلى 5.650 تريليون جنيه بنهاية أكتوبر 2021، مقابل 5.575 تريليون بنهاية سبتمبر 2021.
وسجل المعروض النقدى 1.345 تريليون جنيه بنهاية أكتوبر 2021 مقابل 1.330 تريليون بنهاية سبتمبر 2021، وأشباه النقود 4.305 تريليون جنيه بنهاية أكتوبر 2021، مقابل 4.245 تريليون بنهاية سبتمبر 2021.
وبلغ إجمالى أرصدة القروض في المصارف وفقًا لبيانات البنك المركزي بنهاية يوليو الماضي 2.805 تريليون جنيه، مقابل 2.855 تريليون بنهاية يونيو الماضى.