لماذا حدث الارتفاع الكبير في أسعار البترول والغاز على مستوى العالم؟ وإلى متى تستمر هذه الموجة من الارتفاعات؟ وإلى أين تصل؟ وما هو تأثير هذا الارتفاع على أسعار الطاقة في مصر على وجه التحديد على المدى القريب والبعيد؟
سيناريو 120 دولارا للبرميل كابوس غير مستبعد .. ومصر بين الاستفادة والضرر
قبل الإجابة على التساؤلات، يجب أولا أن نعرض تفاصيل الصورة الحالية لما يجري من تغيرات في أسواق البترول العالمية.
فبانتهاء يوم الخميس، صعدت أسعار البترول عالميا، وسط ترقب لعودة إمدادات البترول الإيرانية إلى الأسواق العالمية، إذا ما تم التوصل إلى اتفاق لإعادة إحياء اتفاقها النووي خلال المفاوضات الجارية في العاصمة النمساوية فيينا.
وبعد أن كان سعر البترول يتجاوز حاجز الـ80 دولارا للبرميل طوال الفترة الماضية، سجل سعر خام برنت القياسي يوم الخميس 92,72 دولار للبرميل، وكان قد أغلق في اليوم الذي سبقه – الأربعاء - على 91,55، أي بنسبة ارتفاع بلغت 1,26%، فيما سجل الوسيط الأمريكي 91,31 دولارا للبرميل، بعد أن أغلق في الجلسة السابقة على 89,66 دولار، بنسبة ارتفاع بلغت 1,84%.
وبعد أن كانت التوقعات تشير إلى تجاوز البترول حاجز المائة دولار للبرميل خلال العام الحالي، أصبحت هناك مخاوف من سيناريوهات أسوأ من ذلك، من بينها ما ذكرته إيرينا سلاف الخبيرة في أسواق البترول بموقع "أويل برايس" من أن سعر البترول سيصل إلى 120 دولارا بسبب تزايد المخاوف الجيوسياسية.
المعاناة واحدة، بين مستهلك أمريكي وأوروبي وآسيوي يصرخ من ارتفاع تكاليف الحصول على الوقود اللازم للحياة اليومية، وبين مستهلك محلي في مصر يترقب بين الحين والآخر تحريك أسعار المواد البترولية، وينتظر تأثيراتها على جميع مناحي الحياة، حتى وإن كان ذلك يتم كل ثلاثة أشهر.
الصورة الحالية تشير إلى أن ارتفاع الأسعار العالمية للبترول والغاز بدأ منذ ثلاثة أشهر على الأقل، ولن يكون نهاية المطاف، فالتوقعات تشير إلى أن أسواق البترول العالمية قد تشهد مزيداً من الشح في الإمدادات هذا العام، بما يبقي الأسعار فوق 90 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوياتها منذ 2014، على أن ترتفع الأسعار فوق سقف المائة دولار للبرميل خلال العام الحالي، في الوقت الذي من المتوقع أن تبقى أن فيه أسعار الغاز الأوروبية مرتفعة، مع بقاء الطلب قوياً هذا العام أيضا، أما سيناريو سعر الـ120 دولارا، فهو ليس مستبعدا بطبيعة الحال، إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
أما لماذا هذه الارتفاعات، فالأسباب متعددة، وتتفاوت ما بين الأسباب السياسية والتجارية والطبيعية البحتة.
فإلى جانب شح الإمدادات كما سبق الذكر، فإن حالة التعافي السريع للنشاط الاقتصادي العالمي مع بدء انحسار قيود "كوفيد 19"، زادت من الطلب على الطاقة، كما أدى تراجع الاستثمارات في إمدادات الطاقة الجديدة إلى تزايد الطلب على مصادر الطاقة التقليدية، من بترول وغاز طبيعي، يضاف إلى ذلك ارتفاع تكلفة الشحن البحري، والذي أثر على حركة تداول السلع إجمالا منذ أواخر العام الماضي.
وجاءت التهديدات بنشوب صراع مسلح في أوكرانيا بين روسيا والغرب لتزيد الأزمة اشتعالا، خاصة مع تردد مخاوف من تأثر إمدادات دول الاتحاد الأوروبي بالغاز القادم من روسيا وأوكرانيا.
أما المدة التي من المتوقع أن تستمر عليها هذه الارتفاعات، فمن المؤكد أن الأسعار القديمة صارت من قبيل التاريخ، ليس أكثر، بدليل أن وكالة "رويترز" نقلت مؤخرا عن عدد من رؤساء شركات البترول تحذيراتهم من أن ارتفاع أسعار الطاقة سيستمر لسنوات، وقالوا إنه على المستهلكين أن يهيّئوا أنفسهم لسنوات من أسعار الطاقة المرتفعة، وهو ما سيزيد الضغوط على الحكومات التي تسعى جاهدة للتغلب على تضخم جامح.
ولن يكون المستفيد الوحيد من هذه الارتفاعات في الفترة المقبلة إلا أصحاب ورؤساء شركات البترول والغاز، الذين سيحققون أرباحا خيالية، نتيجة هذه الموجات المتلاحقة من الارتفاعات.
أما بالنسبة لمصر، فالأمر لا يقتصر فقط على رفع أسعار الوقود، بل يمكن أن يتحول إلى فرصة حقيقية لتحقيق نمو كبير في أداء الاقتصاد، بدليل ما ذكره المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية قبل أيام من أن مصر تضاعف جهودها في إنتاج النفط والغاز مع ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، وتأكيده على ضرورة تضافر الجهود لتنفيذ خطة عمل تلبي الطموحات فيما يتعلق بزيادة إنتاج الثروة البترولية من النفط والغاز والمتكثفات، لتحقيق الاستفادة من هذه الموجة العالمية.
ولكن، الأمر لن يكون إيجابيا بعد، خاصة وأن الحديث عن تحقيق نمو، ما زال من قبيل التوقعات للمستقبل، فلا يمكن إغفال حقيقة أنه رغم الأسعار المرتفعة للبترول، فإن وزارة المالية في مصر حددت سعر البرميل في موازنة العام المالي 2021-2022 عند 61 دولارا فقط، انخفاضا من 68 دولارا في الموازنة السابقة، بينما تبدو التطورات في الأسواق العالمية متسارعة ومتلاحقة، بدليل أن البنك الدولي يقول إن كل زيادة بمقدار 10 دولارات في سعر البترول عالميا عن السعر المقدر له في الموازنة العامة لمصر خلال العام المالي الجاري، سيترتب عليها ارتفاع نسبة العجز في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0,2% إلى 0,3%.
والمعروف أن الحكومة التي تطبق آلية التسعير التلقائي للمواد البترولية المرتبطة بأسعار البترول العالمية وسعر صرف الدولار، وتتم مراجعتها كل ثلاثة أشهر، قد رفعت أسعار البنزين 25 قرشا للتر، في رابع زيادة على التوالي في الأسعار، وتم تطبيق زيادات أخرى على الغاز الطبيعي للسيارات والصناعات، بينما بقيت أسعار السولار كما هي دون زيادة، وسط توقعات بأن تكون هناك زيادات أخرى في اجتماع لجنة التسعير المقبل في أبريل.
وأبرز تأثيرات هذه الزيادات، ارتفاع التضخم المحلي، مع ارتفاع دعم الطاقة في الموازنة العامة، بينما قد يكون من التأثيرات الإيجابية أن تشكل هذه الأسعار المرتفعة حافزا لحدوث نمو في تحويلات المصريين العاملين في دول الخليج البترولية، وحافزا آخر لتوسيع نشاط وإنتاج قطاع الصناعات الاستخراجية، وقطاع تكرير البترول، واللذان يشكلان معا 14% تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي لمصر.
وأخيرا، قد تتحول مصر إلى واحدة من أهم المستفيدين من جراء هذا الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة عالميا، بوصفها الملاذ المستقبلي لتوفير إمدادات الطاقة الجديدة والمتجددة لدول المنطقة والعالم، بعد أن أصبحت مركزا إقليميا وعالميا للطاقة، وبخاصة في مجال الربط الكهربائي، والصناعات البترولية، وتصدير الغاز إلى أوروبا، فضلا عما سيوفره لها مؤتمر المناخ المقبل في شرم الشيخ في نوفمبر القادم من فرصة ذهبية للترويج لها بوصفها أكثر دول المنطقة والعالم قدرة على إنتاج الطاقة من المصادر الجديدة، وبخاصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية.