بدائل محلية وعالمية للقمح الروسي والأوكراني .. والغاز المصري المكسب الوحيد المحتمل
البورصة تهوي .. والذهب يقفز .. والحكومة تعقد اجتماع "أزمة"
أسعار الوقود المحلية لن تصمد طويلا بعد تجاوز البترول حاجز المائة دولار عالميا
تأثيرات سلبية متوقعة على عائدات السياحة وقناة السويس وفاتورة الاستيراد
ولكن الأزمة نفسها قد تكون "فرصة" إذا ما تم التعامل مع تداعياتها بهدوء وعقلانية ووعي مجتمعي، كما حدث في حقبة الحرب على الإرهاب، وفي جائحة كورونا.
وأحسنت الحكومة المصرية صنعا عندما عقدت اجتماعا خاصا لبحث تداعيات أزمة أوكرانيا على الاقتصاد المصري، وبخاصة على الحياة اليومية للمواطنين، مع تجنب استخدام لغة التطمين والتهوين، خاصة وأنه من الواضح أن الآثار الاقتصادية ستكون "عالمية"، وليست خاصة بمصر، وستضيف بعدا جديدا إلى الأوضاع الصعبة الراهنة فعليا جراء موجة التضخم التي سبقت الأزمة الأوكرانية.
التأثيرات السلبية المتوقعة على مصر ستكون على صعيد واردات القمح أولا، وأسعار البترول ثانيا، وتضرر قطاع السياحة ثالثا، وتأثر حركة السفن في قناة السويس رابعا، وارتفاع فاتورة الواردات خامسا، بينما سيكون الأثر الإيجابي الوحيد المنتظر هو ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، ولجوء دول أوروبية عديدة إلى البحث عن الغاز المصري، بديلا للغاز الروسي، سواء بسبب الحرب، أو بسبب العقوبات الغربية المتوقعة على موسكو.
بعد ساعات من بدء العمليات العسكرية الروسية على أوكرانيا، وضح التأثير السلبي أولا على البورصة المصرية، التي تراجعت في بداية التعاملات بصورة كبيرة، فقد سجل رأس المال السوقي نحو 693 مليار جنيه، مقابل مستوى 713,668 مليار جنيه، بتراجع 20,6 مليار جنيه .
وتراجع مؤشر "إيجي إكس 30" 3,31% عند 10927,11 نقطة، كما تراجع مؤشر الشركات المتوسطة والصغيرة "إيجي إكس 70" متساوي الأوزان بنسبة 4,09٪ عند 1870,65 نقطة، وتراجع مؤشر "إيجي إكس 100" بنسبة 4,14٪ عند 2813,05 نقطة.
إلا أنه من المحتمل أن يكون هذا التراجع أمر طبيعي في ظل مخاوف المستثمرين الأفراد من تأثر السوق المصرية بالحرب، وبدا واضحا أن التراجع كان مجرد رد فعل متوتر على الانهيار الذي شهدته البورصات العالمية، وبخاصة بورصة موسكو التي تراجعت بنسبة تاريخية بلغت 40%، وهو ما يسمى بـ"معامل الارتباط" بين الأسواق في وقت الأزمات الكبرى.
وعالميا، صعدت أسعار البترول بعد فصف أوكرانيا بشكل جنوني، فسجل سعر خام برنت 103 دولارات للبرميل، بعد أن كان قد أغلق يوم الأربعاء قبل بدء الحرب على 94,5 دولار، بنسبة زيادة بلغت 6,15%، بينما ارتفع الخام الأمريكي بنسبة 5,84% ليصل إلى 97,5 دولار للبرميل، وكان قد أغلق الأربعاء على 92,1 دولار.
ومحليا، فقد صار في حكم المؤكد رفع أسعار الوقود في اجتماع لجنة التسعير في أول أبريل القادم، خاصة وأن الارتفاع العالمي في الأسعار كبير، وتأثيراته على الموازنة العامة لمصر سيكون سلبيا، بعد أن قدرت الموازنة سعر برميل البترول عند 61 دولارا، في حين أنه يتجاوز حاجز المائة دولار حاليا، وفي طريقه إلى مزيد من الارتفاعات في حالة تفاقم الأزمة الأوكرانية.
وكانت الحكومة قد رفعت أسعار البنزين 25 قرشًا فقط للتر الواحد 4 مرات في أقل من عام، فيما ثبتت سعر السولار دون تغيير عند 6,75 جنيهًا للتر، وأي محاولة للإبقاء على هذه الأسعار الحالية، معناه زيادة عجز الموازنة العامة خلال العام المالي الحالي 2021-2022.
أما بالنسبة للغاز، فقد قفزت أسعاره في أوروبا خلال تعاملات الخميس بنحو 35%، وتجاوز سعر العقود الآجلة للغاز مستوى 1400 دولار لكل ألف متر مكعب.
وتقول وكالة "تاس" الروسية للأنباء إن مخاوف المستثمرين من تأثر إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا عبر أوكرانيا هدأتها بيانات شركة "جازبروم" الروسية سريعا، بتأكيدها استمرار ضخ الغاز الطبيعي من روسيا عبر أوكرانيا إلى أوروبا.
وربما يكون الطلب الأوروبي على الغاز المصري من بين المكاسب القليلة لمصر من جراء هذه الأزمة، علما بأن صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال تبلغ قيمتها حاليا 3,9 مليار دولار، وفقا لأرقام عام 2021.
وبالنسبة للذهب، فقد قفزت الأسعار في تعاملات صباح الخميس بشكل كبير في الأسواق العالمية، حيث وصل سعر الأونصة إلى 1940 دولارا، وهو أعلى مستوى له خلال أكثر من عام.
ويعود هذا الارتفاع إلى لجوء المستثمرين إلى الملاذات الآمنة، وعلى رأسها الذهب، بعد اندلاع المعارك في أوكرانيا.
وكان الحال نفسه بالنسبة للعملات النفيسة الأخرى، فقد ارتفعت الفضة 2,1% إلى 25,03 دولار للأونصة، وارتفع البلاتين 1% إلى 1102,43 دولار للأونصة، وصعد البلاديوم 1,3% إلى 2514,54 دولار للأونصة.
وكرد فعل طبيعي، ارتفعت أسعار المعدن الأصفر في السوق المصرية سبعة جنيهات، ليصل الذهب قمة صعوده، مسجلا 840 جنيها للجرام من عيار 21، الأكثر مبيعا في مصر، بينما سجل عيار 18 سعر 720 جنيها للجرام.
ويعد الارتفاع الكبير في الذهب أمرا طبيعيا، باعتبار أنه من أصول الملاذات الآمنة في أوقت الأزمات والاضطرابات، وهناك احتمالات كبيرة لمواصلة الارتفاع، عالميا، ومحليا، في حالة مزيد من التدهور في الأزمة الأوكرانية، وبخاصة إذا ما اتخذ حلف "الناتو" إجراء عسكريا مضادا تجاه روسيا.
أما بالنسبة لأسعار القمح، التي يتوقع أن ترتفع عالميا، فقد أكد مجلس الوزراء في اجتماعه الذي عقد لبحث تداعيات الأزمة، أن مصر لديها احتياطي يكفي لمدة 4 أو 5 أشهر على الأقل، ولكن سيتم بذل الجهد من جانب الحكومة للبحث عن موردين بديلين للقمح، في حالة طول أمد الأزمة، خاصة وأن مصر تستورد ما يقرب من 80% من وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا.
وتقول شبكة "سي.إن.إن" إن الدولة المصرية حددت أسماء 14 سوقا بديلة لاستيراد القمح منها، في حالة وجود مشكلات في إمدادات واردات القمح الروسي والأوكراني إلى مصر.
ولكن مما قد يهديء من مخاوف الأزمة في مصر، ارتفاع الإنتاج المحلي من الأقماح، وبخاصة بعد أن رفعت الدولة سعر شرائه من المزارعين بنسبة 15%، وسيؤدي انضمام الإنتاج المحلي اعتبارا من يوم 15 أبريل القادم إلى الإنتاج الإجمالي إلى زيادة حجم المخزون الاستراتيجي من القمح من أربعة وخمسة أشهر إلى تسعة أشهر.
أما قناة السويس، فمن المتوقع أيضا أن تتأثر بعد سنوات متتالية من الإيرادات القياسية، نظرا لأن هذه الأزمة قد تخفض من حركة الملاحة الدولية بشكل عام، وبخاصة حركة الناقلات والحاويات، علما بأن الحصة الأكبر من إيرادات القناة تأتي من رسوم مرور ناقلات البترول.
وسيكون قطاع السياحة والصناعات المرتبطة به من المجالات الأكثر تأثرا بالأزمة الأوكرانية، نظرا لاعتماده مصر الكبير على السياحة الوافدة من روسيا وأوكرانيا.
وستحتاج الدولة إلى بذل جهد كبير، كما ورد في اجتماع مجلس الوزراء، للبحث عن أسواق بديلة للسياحة الروسية والأوكرانية، لعدم حدوث تأثير سلبي على عائدات القطاع، على الأقل حتى حلول الصيف المقبل الذي قد يشهد تعويضا نسبيا بحركة السياحة العربية، على أمل انتهاء الأزمة الأوكرانية سريعا.
ويتوقف حساب المكاسب والخسائر من الأزمة الروسية – الأوكرانية بشكل كبير على عاملين مهمين: الأول هو طول أمد الأزمة، وعدم وجود بارقة أمل لتسوية سياسية قريبا، والثاني هو احتمالية تفاقم الأوضاع أكثر في حالة اتخاذ الناتو إجراء عسكريا ما حيال روسيا، مما قد يهدد السلم والأمن العالميين، ويلقي بمزيد من الضغوط على الأوضاع الاقتصادية الصعبة.