في ضوء التداعيات الخطيرة لحرب أوكرانيا على سوق العقارات في مصر، تتجه أنظار المهتمين بالعقارات، وحاجزي الوحدات السكنية، والمهتمين بالحجز، إلى الاجتماع العاجل والمهم الذي سيعقده اتحاد المقاولين يوم الثلاثاء لبحث سبل مواجهة الأزمة الحالية التي تواجه قطاع التطوير العقاري في مصر بسبب الارتفاع الحاد في أسعار المواد الأولية، والتي تهدد عمل شركات المقاولات، وحقوق العملاء أيضا على حد سواء.
وتشير الأنباء المتوافرة لدى المهتمين بالسوق العقارية المحلية إلى أن هناك حالة مزيجا من الارتباك والغموض تخيم على قطاع التطوير العقاري، مع الارتفاعات غير المبررة في أسعار مواد البناء، وعلى رأسها الحديد والأسمنت، وتأثير ذلك على عمل شركات المقاولات، والجداول الزمنية لتسليم وحداتها لعملائها في المشروعات المختلفة، وبخاصة في المدن الجديدة، وتضرر شركات عديدة بالفعل.
وتحدث خبراء ومهتمون عن مشكلة ارتفاع أسعار الحديد على وجه التحديد، وقالوا إنها مشكلة المشكلات، في حين تحدث آخرون عن أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم توافر الحديد من الأساس.
وأجمعوا على أن قدرات الشركات العاملة في مجال التطوير العقاري حاليا على الوفاء بالتزاماتها الواردة في العقود، وبخاصة ما يتعلق بالأسعار وبمواعيد التسليم، يعرض عددا كبيرا من هذه الشركات إلى مبالغ طائلة من غرامات التأخير، أو ربما إلى عقوبة سحب الأعمال منها.
ومن الواضح أن أبرز ما سيطالب به الاجتماع المقبل هو مناشدة الحكومة التدخل بشكل عاجل لحل أزمة القطاع العقاري، بهدف إصدارها تعليمات أو اتخاذها قرارات عاجلة، على غرار ما تم في قطاع السياحة مثلا، تتيح للشركات العقارية مد فترة تنفيذ المشروعات، أو تعليق بعض العقوبات، نظرا لأن عملية توفير المواد الخام صارت صعبة للغاية، واضطرت بعض الشركات بالفعل إلى شراء مواد بناء بأسعار مرتفعة للغاية لتجنب تعرضها لهذه العقوبات.
وعلى الرغم من أن شبكة بلومبيرج الاقتصادية الأمريكية رجحت أن تتسبب حرب أوكرانيا في ارتفاع أسعار العقارات في مصر بنسبة تصل إلى 10%، فإن هناك خبراء محليين رجحوا أن تصل الارتفاعات إلى 30%.
وهناك مشكلة أخرى تكمن في أن أوكرانيا نفسها تعد من بين الأسواق المهمة لتوريد الحديد إلى مصر، حيث استوردت منها مصر العام الماضي ما قيمته 97 مليون دولار، علما بأن الحديد يشكل 15% تقريبا من تكلفة أي مشروع إنشائي.
أما المشكلة الأخرى، أو الثالثة، فهي أن أسعار جميع مواد البناء ارتفعت بالفعل منذ أواخر العام الماضي بسبب ارتفاع تكاليف شحن البضائع عالميا، في ظل زيادة الطلب التي أعقبت جائحة كورونا.
وتكمن المشكلة الرابعة في أن ارتفاع الأسعار في قطاع العقارات أمر حتمي من جهة أخرى، وهي الزيادة الموسمية في الطلب مع حلول موسم الصيف، وعودة المصريين العاملين في الخارج، والذين يفضلون الاستثمار العقاري عن أي قطاع آخر.
وإزاء هذه الارتفاعات، من المتوقع أن تشهد السوق العقارية المصرية كثيرا من المشكلات والتخبطات، فليس مفهوما حتى الآن ما إذا كانت الأزمة الحالية ستجبر شركات على التعثر في بعض المشروعات، أو على الدخول في مواجهات قانونية حتمية مع الحاجزين والمتعاقدين، وما إذا كان رفع الأسعار بشكل عام سيؤثر على حجم الطلب والحجوزات الجديدة، أو على خروج متعاقدين فعليين من السوق لعدم قدرتهم على تدبير موارد مالية لسداد باقي أقساط الحجز في بعض المشروعات.
إلا أن هناك من يرى أن الأزمة يمكن أن تتحول إلى فرصة!
فرصة لكل من الشركات والمواطنين!
ففي فترة حرب ذات طابع عالمي، يضرب الكساد أسواق العمل، وتلجأ استثمارات المواطنين إلى ملاذات آمنة، ومن المعروف أن الملاذ العقاري يعد من أكثر مناطق الاستثمار جذبا وفقا لثقافة المستهلكين المصريين.
بل وكان هذا الاتجاه له مؤيدون منذ أواخر العام الماضي، في الفترة التي كان فيها العالم يبدأ مرحلة التعافي من جائحة كورونا، حيث كانت شبكة "يورونيوز" الإخبارية الأوروبية إلى نشر تقرير عن مدى تأثر قطاع العقارات في العالم بحقبة ما بعد كورونا، أكدت فيه أسعار العقارات على مستوى العالم آخذة في الارتفاع، وأن هناك طلبا متزايدا بالفعل على شراء عقارات جديدة، وأن العقارات الفاخرة تزدهر أكثر، وأن عام 2022 سيكون عاما عقاريا ليس له مثيل.
والدليل على ذلك أيضا ما ذكرته شبكة "فورتشن" الأمريكية من أن حرب أوكرانيا مسئولة عن ندرة عدد العقارات المعروضة للبيع في الولايات المتحدة هذه الأيام.
وتعد الهند من بين الدول التي تتشابه ظروفها كثيرا مع مصر، وبخاصة فيما يتصل بالسوق العقارية، وحجم الطلب عليه، وكثرة الأزمات التي تحيط به منذ اندلاع حرب أوكرانيا، وفي هذا الإطار، تحدثت صحيفة "إيكونوميك تايمز" الاقتصادية الهندية عن ارتفاعات كبيرة في أسعار المنازل في الهند بسبب حرب أوكرانيا، إلا أنها أشارت في الوقت نفسه إلى أن هذه الارتفاعات لا يبدو أنها ستكون سببا في تراجع الطلب!
فهل تصبح الأزمة فرصة؟
وهل يتجاوز السوق العقاري المحلي تداعيات ارتفاع أسعار مواد البناء سريعا؟
وهل تتدخل الدولة لإنقاذ الشركات من تداعيات وعواقب التخبط في الجداول الزمنية لظروف خارجة عن إرادتها؟
هذا ما سيتضح في اجتماع الثلاثاء، وفي رد فعل الحكومة على نتائجه.