العديد من التوقعات التي تنشرها المؤسسات الدولية يومياً حول أداء الاقتصاد العالمي وفي القلب منه الاقتصاد المصري في ظل أزمة عاصفة بدأت بـ كوفيد 19 واستمرت بالحرب الروسية الأوكرانية ولا نعلم ما الذي قد تكشف عنه الأيام المقبلة من ازمات قد تزيد من حدة الوضع ولكن التساؤل الذي يفرض نفسه هل من الممكن أن يخالف الاقتصاد المصري التوقعات ويعبر الأزمة وسط تلك الأمواج المتلاطمة هذا ما ستكشف عنه الشهور المقبلة.
وكشف تقرير حديث للبنك الدولى عن توقعاته للاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة مشيراً إلى أن يشهد النشاط الاقتصادى المصرى، تحسنا على الأجل المتوسط، مع بدء انحسار تداعيات الحرب فى أوكرانيا، وانتعاش القطاعات الموجهة نحو التصدير، واستمرار البلاد فى المضى قدمًا فى تحقيق استقرار الاقتصاد الكلى والإصلاحات الهيكلية.
ولكن على الجانب الأخر مازال البنك متحفزاً من ناحية ارتفاع معدلات الفقر التي لازالت متأثرة بانخفاض القوة الشرائية الناجم عن التضخم رغم التخفيف الجزئى الذى ينبغى أن توفره التدابير التى تم الإعلان عنها مؤخرًا، من خلال الإعانات الغذائية وبرامج التحويلات النقدية (من المتوقع أن تتوسع تكافل وكرامة لتغطية 20 مليون مواطن).
وتوقع البنك الدولى استقرار نسبة عجز الحساب الجارى إلى الناتج المحلى الإجمالى بنهاية السنة المالية 2021 – 2022 – 2023 ليسجل معدلات أقل قليلا من مستواه بنهاية السنة المالية 2020 – 2021 إذ يرى أن ارتفاع فاتورة الواردات، والتأثير السلبى لحرب أوكرانيا على الطلب على الصادرات غير النفطية (وخاصة من قبل أوروبا) سيقابله ارتفاع فى صادرات النفط، وإيرادات قناة السويس وكذلك استمرار الانتعاش التدريجى فى السياحة.
في ذات الوقت أوضح البنك الدولي استمرار الحساب المالى وحساب رأس المال تحت الضغط، ولكن يمكن تحسين وضعهما نسبيًا مع التمويل الممنوح من صندوق النقد الدولى والتدفقات الوافدة من دول مجلس التعاون الخليجى، متوقعاً أن يؤدى ضبط الأوضاع المالية (لا سيما من خلال تعزيز الإدارة الضريبية) إلى وضع نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى على مسار نزولى على المدى المتوسط.
وبالنسبة للعام المالي الجاري (2022 – 2023) يقول البنك الدولى إن الاقتصاد المصري يواجه مزيدا من الضغوط على المالية العامة، فى ظل ما يواجهه الاقتصاد العالمى جراء الحرب فى أوكرانيا والآثار المتبقية لجائحة “COVID -19” والتضييق النقدى السريع لا سيما فى البلدان المتقدمة
ولفت إلى أنه مع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، فإن عبء خدمة الديون على مصر كواحدة من الدول المستوردة للنفط سوف يزداد، حيث يجب عليها أن تدفع أسعار فائدة أعلى على أى ديون جديدة، والديون القائمة التى يتم إعادة تقييمها واي سترتفع خدمة الدين عليها.
وتوقعت المؤسسة الدولية تراجع النمو إلى %4.8 فى السنة المالية الحالية، من %6.6 العام المالى الماضى، مرجعة ذلك إلى أن الأنشطة الرئيسية – بما فى ذلك التصنيع والسياحة – تؤدى بأقل من الإمكانات، بمساهمة جزئية للحرب فى أوكرانيا؛ وقواعد الاستيراد الجديدة التى تحتاج الأسواق إلى التكيف معها.
ورجحت المؤسسة الدولية، تأثر القطاعات الاقتصادية المساهمة فى الناتج المحلى لمصر، ليتراجع نمو القطاع الصناعى بنحو %37 مسجلا %4.7 العام الحالى، مقارنة مع %7.5 العام الماضى، وكذلك القطاع الخدمى إلى %4.9 فى 2023 مقارنة مع %5.8 العام الماضى، فيما يظل القطاع الزراعى على ثبات خلال الفترة من 2022 – 2023 مسجلا %4.5.
وبينما تبنت توقعات المؤسسة الدولية نظرة تفاؤلية للواردات (الخدمية والسلعية) متوقعة تراجع نسبة نموها إلى %9 مقابل %11.5 فى 2022 وفى المقابل كانت النظرة تشاؤمية للصادرات (السلعية والخدمية) لتتراجع إلى %15 من الناتج المحلى مقارنة مع %20 لعام 2022.
كما توقع هبوطا حادا فى الاستهلاك الحكومى إلى %3.7 فى 2023، مقارنة مع %10.7 مقدرة فى 2022، وتراجعا أيضا فى الاستهلاك الخاص إلى %3.8 مقابل 5.5%.
وتوقع البنك الدولي قفزة فى التضخم إلى %13 مقابل %8.5 لافتا إلى أن قرار مصر بتخفيف القيود المفروضة على استيراد منتجات محددة جاء للحد من انتقال استيراد التضخم العالمى وانعكاسه على المعدلات المحلية.
وتوقع بلوغ عجز الموازنة %6.7 من الناتج المحلى الإجمالى، مقابل %6.6 العام الحالى، فيما رجح زيادة فى العجز الأولى لـ %1.8 من الناتج المحلى الإجمالى، مقابل %1.6 العام الماضى.
وفى ظل ذلك رجح البنك الدولى تراجع نمو الناتج المحلى الإجمالى إلى مستويات %4.3 بنهاية السنة المالية الحالية 2022 – 2023 مقارنة بـ%6.6 السنة المالية المنتهية والذى جاء مدفوعا بصادرات الغاز والاتصالات والسياحة.
ورجح البنك الدولى زيادة طفيفة فى صافى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر ليصل إلى %2.2 من الناتج المحلى الإجمالى، مقارنة مع %1.8 العام الماضى، وتراجع الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى %93.6 مقارنة مع %94.9 مقدرة العام الماضى.
وأكد البنك الدولى إنه فى حين أن إصلاحات الاقتصاد الكلى والإصلاحات الهيكلية منذ عام 2016 قد زادت من مرونة مصر فى التنقل فى البيئة الصعبة الحالية، فإن وتيرة التحول الاقتصادى لا تزال بطيئة، حيث تحول هيكل الاقتصاد بشكل عام على مدى العقدين الماضيين نحو قطاعات ذات إنتاجية منخفضة غير قابلة للتداول التجارى.
وأسفر ذلك عن تطور محدود للصادرات، فضلاً عن انخفاض الاستثمار الأجنبى المباشر المحتمل؛ وزيادة التحديات التى تواجهها مصر منذ فترة طويلة، وتعريض مصر لمثل هذه الصدمات الخارجية تزيد من الضغط على مصادر الدخل الأجنبى.
وأشار إلى أن البلاد تعانى تحديات متعلقة بخلق فرص العمل، فضلا عن تأثر الدخول الحقيقية المحلية بالضغوط التضخمية المستمرة وتراجع الانتعاش الاقتصادى، وضيق الحيز المالى (فرص زيادة عجز الموازنة) ما يمثل تحديًا حاسمًا للنهوض برأس المال البشرى والمادى للسكان المصريين.
وأكد أنه سيكون من الضرورى مواصلة الإصلاحات الهيكلية للسماح للقطاع الخاص فى المشاركة بالأنشطة ذات القيمة المضافة المرتفعة والأنشطة الموجهة نحو التصدير من أجل إيجاد فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة.
وأضاف البنك الدولي أن متوسط التضخم على أساس سنوى خلال الفترة من مارس إلى يوليو 2022 كان %14.3 ولكن كان من الممكن أن يكون %18.4 لو لم تتدخل السلطات فى أسواق المنتجات القابلة للتداول تجاريا، مما يعنى أن تدخلات الحكومة المصرية خفضت التضخم بأكثر من %4 العام المالى الماضى نتيجة الإجراءات التى أقرتها الحكومة لتخفيف القيود المفروضة على استيراد منتجات محددة للحد من انتقال التضخم العالمى إلى التضخم المحلى.
وحذر من أنه فى حالة استمرار البيئة الحالية التى تتسم بارتفاع أسعار الفائدة العالمية، فإن العبء المتزايد المتمثل فى ارتفاع تكاليف الفائدة سوف يخفض من القدرة على تحمل الديون بمرور الوقت، وخاصة بالنسبة للبلدان التى ترتفع فيها مستويات الديون بالفعل ــ مثل لبنان والأردن ومصر وتونس.
ولفت إلى أنه وفقا لما تم تسجيله من المؤشرات الرئيسية فى الأشهر الأخيرة، تقلص مؤشر الإنتاج الصناعى (شهريًا) بنسبة %8.7 فى أبريل الماضى وبالمثل، انخفض مؤشر مديرى المشتريات إلى 45.2 (أدنى مستوى له خلال عامين) و 46.4 خلال يونيو ويوليو الماضيين مما يشير إلى انخفاض أكثر وضوحًا فى نشاط القطاع الخاص غير النفطى ؛ مما يعكس ارتفاع تكلفة المدخلات المحلية والمستوردة.
وقال البنك الدولي: «تسارع التضخم الحضرى والأساسى إلى %13.1 و %13.7 على التوالى فى المتوسط خلال الفترة من مارس – أغسطس 2022 متجاوزًا هدف البنك المركزى (7 +/-2%)، بسبب ديناميكيات الأسعار العالمية، وانخفاض سعر الصرف، واختناقات الإمدادات محليا، وردا على ذلك، رفع البنك المركزى أسعار الفائدة فى مارس ومايو من العام الحالى بإجمالي %3 وسمح لسعر الصرف بالانخفاض».
وأشار إلى أنه الرغم من تعديل السياسة النقدية وسياسة أسعار الصرف، كثفت الحرب فى أوكرانيا الضغوط القائمة على الحسابات الخارجية، و انخفضت الاحتياطيات الرسمية وأصول العملات الأجنبية بشكل مشترك إلى 42.1 مليار دولار فى نهاية مارس بانخفاض 12.4 مليار دولار عن الشهر السابق (خسارة %22.7)، على الرغم من الدعم المالى من دول مجلس التعاون الخليجى فى مارس، وكذلك الإصدار الناجح لأول سندات ساموراى فى مصر بقيمة 500 مليون جنيه.