الخميس 19 ديسمبر

تقارير

الحرب فى أوكرانيا تتحول الى معركة استنزاف اقتصادى .. والطاقة هى الورقة الرابحة


الحرب فى أوكرانيا

روسيا تخوض الحرب فى أوكرانيا على الارض ، وتنتصر، وتحقق تقدما، وتقترب من الاستيلاء على العاصمة كييف، وإسقاط حكم الرئيس فولوديمير زيلينيسكي.

وخارج أوكرانيا، تحارب الولايات المتحدة وحلفاؤها فوق الأرض، وتضغط بكل ما أوتيت من قوة من أجل خنق "الدب" الروسي ماليا واقتصاديا، وإلى الآن لا تبدو هذه الحرب ناجحة، لأن ورقة "الطاقة" الرابحة ما زالت في أيدي روسيا.

روسيا تريدها حربا عسكرية سريعة النتائج، وأمريكا تريدها حربا أبدية، وتسعى جاهدة لإطالة أمدها حتى تستطيع استنزاف مقدرات الروس الاقتصادية لفترة طويلة، لتنفرد بالتنين الصيني، بعد القضاء على الدب، أو هكذا تتصور.

ومع ذلك، وكما سبق الذكر، تبدو ورقة "الطاقة" وكأنها "جوكر" أوراق اللعب القادر على تغيير دفة الأمور والخطط والاستراتيجيات، والتي تؤكد يوما بعد آخر أن الغرب أساء استخدام هذه الورقة.

والشواهد تؤكد ذلك حتى الآن.

فهناك، بحسب شبكة بلومبيرج الاقتصادية الأمريكية، نظام عالمي جديد للطاقة يتشكل في العالم.

وهناك قوة جديدة تكتسبها روسيا من العقوبات الغربية على البترول والغاز الروسيين، وليس العكس.

وهناك قوى أخرى على الحياد بين الشرق والغرب، ستخرج مستفيدة من هذه المعركة، في صورة ارتفاعات أسطورية في أسعار البترول، وسوق مزدهرة للغاز الطبيعي، واهتمام إجباري غير مسبوق بموارد الطاقة الجديدة أو النظيفة، مثل الكهرباء والطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

الولايات المتحدة ارتكبت حماقة كبيرة بإعلانها حظر استيراد البترول الروسي، فأسعار البترول المرتفعة في محطات الوقود بمختلف المدن الأمريكية قد تتسبب في إسقاط جو بايدن ونظامه الديمقراطي، وربما عودة دونالد ترامب المتربص والمترصد.

أوروبا تخطيء هي الأخرى إذا تصورت أن بإمكانها التخلي عن البترول والغاز الروسيين، لأن البدائل غير موجودة، وكان مضحكا للغاية أن يتحدث وزير بريطاني عن العودة لاستكشاف البترول في بحر الشمال، وأن يتحدث وزير ألماني عن أن العقوبات الأوروبية ضد روسيا لن تشمل استيراد الطاقة، وأن تتحدث الحكومة الأمريكية على العودة للتنقيب عن البترول بكثافة في محيط السواحل الأمريكية.

ومن المفارقات أن تبدأ أوروبا في التعرف من جديد على أهمية البترول الروسي في وقت تتبنى فيه سياسات صارمة للتخلي عن الوقود الأحفوري لمواجهة ظاهرة التغير المناخي، فكانت النتيجة ارتفاع الطلب، ونقص المعروض، وزيادة أسعار البترول بأنواعه.

ألمانيا جمدت شرايينها الصناعية والاقتصادية بنفسها إثر قيامها بتجميد خط غاز "نورد ستريم 2" مع روسيا البالغ قيمته 11 مليار دولار، خاصة وأن ألمانيا لا تملك بدائل جاهزة وسريعة، بعد أن لوحت روسيا بوقف إمداداتها من غاز "نورد ستريم 1".

حتى البدائل التي يبحث عنها الغرب لتعويض المقاطعة لروسيا تدفع للشفقة أكثر من كونها حلولا ذات قيمة اقتصادية.

فالإدارة الأمريكية التي طالما هاجمت وانتقدت نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، حولت موقفها 360 درجة، وعرضت عليه الاستعانة بواردات البترول الفنزويلية، مقابل إسقاط العقوبات عنه، وما كان من مادورو أن طلب هو الآخر إسقاط اعتراف واشنطن بشرعية خصمه السياسي خوان جوايدو، الذي لم تكن واشنطن تعترف برئيس لفنزويلا سواه!

كما حاولت الولايات المتحدة كسب رضا مصر، بإلغاء قرارات متعنتة كانت قد اتخذتها ضدها منذ فترة، أملا في أن يكون لواشنطن مكانا في منتدى غاز المتوسط، الذي جعل من مصر قبلة حقيقية لصادرات الغاز إلى أوروبا.

وبلغت المأساة منتهاها عندما ترددت أنباء عن أن الرئيس الأمريكي حاول الاتصال بالقيادات السعودية لإيجاد بدائل بترولية للموارد الروسية، وزيادة إنتاج منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، فلم يتلق ردا، وقيل إن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رفض الرد على المكالمة، في خطوة تعكس بوضوح ما آل إليه حال الغرب سياسيا واقتصاديا جراء عقوبات غير مدروسة ضد روسيا.

حتى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي سبق وأن غنم الكثير من خلال ورقة المهاجرين واللاجئين، زار إسرائيل مؤخرا للاتفاق على التعاون في مجال تصدير الغاز لأوروبا، وتحدث في أحد خطبه ساخرا مما يجري حاليا للاتحاد الأوروبي الذي سبق وأن رفض عضوية بلاده من قبل.

وعلى الرغم من التوقعات بأن يسارع بايدن إلى التوصل إلى اتفاق نووي متعجل مع إيران أملا في كسب مورد جديد للبترول في ظل هذه الأوضاع، فإن طهران لا تبدي أي استعدادا للتعاون مع واشنطن في هذا الإطار، بل ووجدتها فرصة لكسب المواقف في محادثاتها النووية مع الولايات المتحدة.

وختاما، فقد كان المستشار الألماني قليل الخبرة أولاف شولتز محقا عندما خطب أمام البرلمان "البوندستاج" قائلا إن حرب أوكرانيا أدخلت العام حقبة جديدة، وأن العالم بعد الحرب لن يكون هو نفس العالم قبل هذه الحرب.

ولا يلومن الغرب أحدا سوى نفسه، وثلاث مرات، وليست مرة واحدة:

مرة بالتضحية بأوكرانيا والزج بها في أتون معركة غير متكافئة مع روسيا، ومرة بالتخلي عن مساعدتها عسكريا بشكل مباشر في وجه الهجوم الروسي، والمرة الثالثة بالعقوبات الاقتصادية "الدراكولية" غير المدروسة التي اتخذتها حكومات الدول الغربية ضد روسيا، وارتدت إلى صدرها.

روسيا أعلنت مؤخرا أن قيمة الأموال والثروات والأصول والأرصدة التي صادرتها الدول الغربية من شركاتها ومواطنيها بلغت 300 مليار دولار حتى الآن.

وقد تكون هذه خسارة فادحة لن تقوى عليها روسيا بالفعل.

ولكن إذا نزلت ورقة الطاقة، وورقة "نورد ستريم 1" على الطاولة، لانتهت المباراة سريعا لصالح روسيا.

وحتى لعبة كسب الوقت التي تحاول الولايات المتحدة القيام بها للإجهاز على روسيا ببطء، قد ترتد إلى صدر الإدارة الديمقراطية نفسها، بل وحكومات غربية عديدة، وبأسرع مما نتصور.

ومواقف الحلفاء والأصدقاء تؤكد ذلك!