الأربعاء 06 نوفمبر

تعدين وطاقة

التوسع في الاعتماد على الطاقة المتجددة يؤدي لخفض الاستهلاك


روبوت لتنظيف هيكل السفينة من "نبتون روبوتيكس" يزيد كفاءة استهلاك الوقود في السفن

ما يريده الناس ليس الفحم والنفط والغاز بل المنتجات والخدمات التي تأتي من الطاقة، سواء تدفئة المنازل أو النقل العام أو صفائح الفولاذ. لذا لا بدّ من التمييز بين الأمرين فيما ننتقل من الوقود الأحفوري نحو الطاقة النظيفة، لأن ذلك يعني أن العالم قد يستهلك كميات أقل من الطاقة، من دون التخلي عن المنافع التي يتمتع بها الآن.

يُهدر حوالي ثلث الطاقة المُنتجة على استخراج وتكرير ونقل الوقود الأحفوري. فلا نفع للنفط الخام إلا عند تحويله إلى بنزين أو وقود للطائرات أو مازوت، إلا أن إنتاج هذه المشتقات النفطية يتطلب مصافي ضخمة تستهلك كميات هائلة من الطاقة. والأهم أن لكل هذه الطاقة الملوّثة تأثيراً كبيراً على ارتفاع درجة حرارة الأرض. في المقابل، يخلّف بناء الألواح الشمسية والتوربينات الهوائية بصمة كربونية أقل بكثير.

يمكن للانتقال نحو الطاقة النظيفة أن يساعد أيضاً على توفير ما يصل إلى 4.6 تريليون دولار سنوياً، بحسب بحوث جديدة صادرة عن المؤسسة البحثية "آر إم آي" (RMI) في كولورادو.

يُهدر الثلث الآخر من إجمالي الطاقة في العالم خلال احتراق الوقود الأحفوري في آليات تفتقر بشدّة إلى الكفاءة. على سبيل المثال، يمكن للسيارات العاملة على الوقود الأحفوري أن تحوّل فقط ربع الطاقة التي يوفرها البنزين إلى حركة، فيما تحوّل السيارات الكهربائية أكثر من ثلاثة أرباع طاقة البطارية إلى حركة. كما يولّد حرق وحدة واحدة من الغاز الطبيعي في سخّان مياه وحدة حرارة واحدة، في حين، تستخدم المضخة الحرارية الكهربائية وحدة كهربائية واحدة من أجل توليد ثلاث وحدات من الحرارة.

يصف الخبراء إجمالي الطاقة الموجودة في الطبيعية، منها كتل الفحم على سبيل المثال بـ"الطاقة الأولية". أمّا "الطاقة النهائية" فهي ما يتبقى بعد احتساب الخسائر الناجمة عن الإنتاج والنقل.

تعليقاً على ذلك، قال دان واتر من "آر إم آي": "هناك هامش كبير لتحسين الكفاءة... يتركّز معظم النقاش المتعلق بأمن الطاقة على تأمين إمدادات الطاقة، ولكن لا يوجد إقرار كاف بأن خفض الطلب على الطاقة يساعد أيضاً في الحفاظ على أمن الطاقة".

من هذا المنطلق، حمل التقرير التقني الذي أعدّه والتر وزملاؤه في "آر إم آي" عنوان "انعدام الكفاءة المذهل لمنظومة الوقود الأحفوري". في غياب بدائل الوقود الأحفوري، كان هذا الانعدام المذهل للكفاءة الثمن الذي لا بدّ من دفعه من أجل الحفاظ على سير العمل. ولكن مع اتجاه العالم نحو توليد مزيد من الطاقة من مصادر متجددة وتحويل مزيد من الأجهزة المستهلكة للطاقة للعمل على الكهرباء، ستتحسّن الكفاءة الإجمالية لهذه المنظومة.

وافقت الدول المشاركة في مؤتمر الأطراف الخاص بالمناخ (COP28) في دبي العام الماضي على قائمة طويلة من الأهداف، منها هدفان رئيسيان يتمثلان بزيادة إنتاج الطاقة المتجددة ثلاثة أضعاف، ومضاعفة كفاءة الطاقة.

وكانت وكالة الطاقة الدولية أصدرت الثلاثاء تقريرها حول الهدف المتعلق بإنتاج الطاقة من مصادر متجددة، وخلصت إلى أنه إذا التزمت الدول بخططها المعلنة، فإن كمية الطاقة المنتجة من مصادر متجددة ستتضاعف 2.2 مرة بحلول 2030 مقارنة مع مستويات 2022، وهذا رقم أقل من الهدف المرجو وهو زيادة إلى ثلاثة أضعاف، لذا ينبغي بذل جهود إضافية جمّة.

لم يصدر بعد أي تقرير حول موضوع كفاءة الطاقة، مع ذلك يمكن استنتاج الكثير انطلاقاً من البيانات المتوفرة حالياً.

يستند تعريف هذا الهدف إلى تحسين كفاءة الطاقة، أي كمية الطاقة المستهلكة في توليد دولار واحد من النشاط الاقتصادي.

خلال العقود الماضية، سجل الأثر الاقتصادي للطاقة، أو ما يُعرف باسم كثافة الطاقة في الاقتصاد، زيادة سنوية تتراوح بين 1% و2%، فيما تأرجح النمو الاقتصادي عند ما يقارب نسبة 3%. بالتالي، على الرغم من تحسن كفاءة الطاقة في الاقتصاد العالمي، إلا أن هذا التحسن لا يكفي لخفض إجمالي كمية الطاقة التي يستهلكها العالم. ومن شأن مضاعفة تحسن كفاءة الطاقة إلى 4% سنوياً أن يساعد العالم على خفض كمية الطاقة المستهلكة، مع الحفاظ على المستوى عينه من النموّ الاقتصادي.

تحقيق هدف زيادة الطاقة المتجددة صعب، ولكن يُرجح أن تكون الجهود المبذولة لتحقيقه أكبر من تلك المبذولة من أجل تحقيق كفاءة الطاقة. قال والتر: "يدرك قليل من الناس مغزى ذلك وما إذا كان ممكناً". كفاءة الطاقة ليست موضوعاً لطيفاً، ربما لأن الخطوات التي تقود إلى ذلك، والتي تتضمن أموراً مثل تحسين أساليب العزل أو تطوير برامج إلكترونية لإدارة الطاقة، ليست حلولاً جذابة.

لكن هذا ليس كل شيء. فالمركبات الكهربائية والمضخات الحرارية تتسم بالكفاءة لناحية استهلاك الطاقة، وقد تمكّن أحدهما من استقطاب الرأي العام لما يتمتع به من طابع جذاب. لكن ربما لم تلعب المكاسب المتعلقة بالكفاءة دوراً كبيراً في إغداق هذا الطابع الجذاب على هذه الآلات، وذلك نتيجة قصور مخيلتنا حتى الآن.