الأثنين 23 ديسمبر

تعدين وطاقة

تباطؤ الطلب على النفط والدخول في موجة ركود يربك حسابات عمالقة البترول


ناقلة نفط ترسو في أحد الموانئ

تكافح أكبر شركات عالمية لتجارة السلع وسط بيئة تزداد صعوبة في سوق النفط، حيث بدأت الأحداث الكبيرة التي دعمت التداولات خلال السنوات القليلة الماضية في فقدان تأثيرها.

يشعر الجميع بالتباطؤ، بدءاً من شركتي "غلينكور" (Glencore) و"غانوفر" (Gunover)—اللاتي انخفضت أرباحهما— إلى بيير أندوراند رئيس صندوق التحوط "أندور آند كابيتال"، الذي تخلى عن تداولات النفط لصالح الاستثمار في النحاس والكاكاو. ورغم أن عمالقة الصناعة لا يزالون يجنون أرباحاً، إلا أنه لم تعد ضخمة الآن مثلما كان الحال منذ 2020.

تراجعت أرباح شركة "غلينكور" (Glencore Plc) بحدة وقلصت توزيعات أرباحها بعد تراجع الأسعار في أسواق السلع والتقلبات الهائلة التي دفعت الشركة لتحقيق أرباح ضخمة

آنذاك، انخفضت أسعار النفط لوقت وجيز إلى ما دون الصفر عندما أدى كوفيد-19 إلى تدمير الطلب في وقت كانت فيه منظمة أوبك التي تقودها السعودية تحافظ على مستويات مرتفعة من الإمدادات. وبعد أقل قليلاً من عامين، قامت روسيا بغزو أوكرانيا وهو ما جلب مكاسب وفيرة حيث قفزت العقود المستقبلية وانتعشت فروق أسعار الديزل. لكن حالياً، تنخفض التقلبات السعرية التي تمثل شريان الحياة لتجارة الخام إذ أن السوق امتصت أثر هذه الأحداث.

أثارت شركة "يونيبك"، أكبر شركة لتجارة النفط في الصين، اهتمام السوق بعد إجرائها بعض المشتريات غير المعتادة للخام.

من جانبه، قال كيرت تشابمان، الرئيس السابق لتداولات النفط الخام في "ميركوريا إنرجي غروب" (Mercuria Energy Group) والذي يرأس حالياً قسم النفط في "ليفميت يو  كيه" (Levmet UK): "الأسواق على مدى السنوات القلية الماضية كانت تتحرك في اتجاه واحد". "سواء كانت هبوطية بشكل كبير بسبب كوفيد، حيث كان يمكن لمتداولي الخام الفعلي تخزين البراميل، أو كانت تتحرك في الاتجاه الأخر مع أزمة أوكرانيا. لكن هذا العام يشكل تحدياً لأنه لم تكن هناك فرص تداول فعلية واضحة"، على حد قوله.

حتى الآن في 2024، كانت التقلبات السعرية أكثر هدوءاً بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات الماضية، حتى رغم هبوط الخام مؤخراً نحو 70 دولاراً للبرميل. وتتجه العقود المستقبلية لخام برنت –في الوقت الحالي— نحو تسجيل أضيق نطاق سعري سنوي منذ 2004 في حين لامس مؤشر يقيس تقلبات السوق أدنى مستوياته منذ نحو عشر سنوات في وقت سابق هذا العام.

يعزز هذا الرغبة في الابتعاد عن تكوين مراهنات كبيرة في سوق المشتقات. في المقابل، توظف شركات تجارة النفط مزيداً من الأشخاص الذين يتخصصون في كسب أعمال جديدة. كما تُبذل جهوداً جديدة للاستحواذ على أصول مثل مصافي وناقلات يمكن أن تمنح التجار تفوقاً.

ومع توافد تجار النفط على سنغافورة هذا الأسبوع لإبرام صفقات خلال أحد أهم الأسابيع في رزنامة الصناعة، تمثل بيئة التجارة الصعبة موضوعاً مهماً للنقاش. والموضوع الآخر هو التغير في تدفقات النفط حول العالم نتيجة للصراعات العالمية.

وأدت عقوبات مجموعة دول السبع الصناعية الكبرى على روسيا كرد فعل على الحرب إلى تقليص كميات البراميل التي كان التجار الكبار مستعدين لشرائها وبيعها في السابق. لكن نفس هذه الكميات -التي كانت في السابق تذهب إلى مصافي أوروبا- لا تزال تجد طريقها إلى عملاء في آسيا، غالباً بأسعار منخفضة يتعين على التجار التنافس عليها.

تضطر أيضاً شركات التجارة للتنافس مع منافسين متمرسين بشكل متزايد. فقد شهدت الصين زيادة فيما يعرف بالإمدادات "محددة الأجل" من السعودية وشركات مثل "رونغشينغ للبتروكيماويات" (Rongsheng Petrochemical)، التي استحوذت السعودية مؤخراً على حصة فيها. كما استحوذت المملكة أيضاً على حصص في أصول تكرير صينية، مما يمنحها موطيء قدم في مركز رئيسي للطلب.

رولاند ريشتشاينر، الذي يرأس قسم تداول السلع الأساسية والمخاطر في شركة "ماكينزي آند كومباني" (Mckinsey & Company) قال: "العديد من المنظمات التي تعتمد تاريخياً على تجار لتوريد أو تسويق نفطها توسع أعمالها تجارياً, ورغم أن هذا يضيف سيولة والمزيد من الأطراف المقابلة، فإنه بكل تأكيد يجعل قدرة التجار على الوصول لتدفقات جديدة أكثر صعوبة".

يمكن بالفعل الاستدلال على بيئة السوق الصعبة من الأرباح المعلنة. فعلى سبيل المثال، سجل قسم الطاقة في "غلينكور" (Glencore) أقل أرباح نصف سنوية منذ 2018 بسبب انخفاض هوامش تجارة النفط والفحم. في الوقت نفسه، كان قسم الشحن والنقل لشركة "غانوفر"  (Gunvor)،  التي يرأسها توربيون تورنكويست، أكبر مساهم في الأرباح.

قال تورنكويست خلال مقابلة في سنغافورة لمناقشة سوق النفط الأوسع: "إنها بيئة صعبة بعض الشيء".

وتنوع الشركة معاملاتها في محاولة للتكيف مع هذه البيئة الصعبة. كما تظهر أحدث النتائج المالية لغانوفر (Gunvor) أنها زادت أحجام تجارتها من الخام والمنتجات البترولية إلى مستويات قياسية في النصف الأول من العام.

فيما شهدت وحدة سويسرية لتجارة النفط تابعة لـ"فريبوينت كوموديتس" (Freepoint Commodities) تراجعات كبيرة في وقت سابق هذا العام، وفقاً لشخص على دراية بالأمر. ورفضت الشركة الإدلاء بتعليق.

أما مجموعة "ترافيغوار" (Trafigura Group)، وهي شركة تجارية رئيسية أخرى، فانخفضت أرباحها 73% في الأشهر الـ6 الممتدة حتى مارس، إلا أنها لم تقدم تفاصيل لكيفية أداء نشاطها النفطي. وقال بن لوكوك، رئيس قسم تداول النفط في الشركة، إن غياب اتجاه عام للسوق وتحرك الخام في نطاق ضيق يعني أنه لم يكن "من السهل بشكل خاص التداول".

هذا ولا تعلن "فيتول غروب"  (Vitol Group)، أكبر شركة مستقلة عاملة في تجارة النفط، عن أرباح نصف سنوية. لكن الرئيس التنفيذي للشركة، راسل هاردي، قال على هامش مقابلة في سنغافورة إن التقلبات السعرية تضاءلت مؤخراً.

واختتم هاردي: "التقلبات السعرية اقتربت كثيراً من المستوى المتوسط. والفرص المتاحة داخل الشركات التجارية تحاول التأقلم إلى حد ما مع ذلك الوضع".