فرض التشاؤم نفسه بقوة على المضاربين على العقود المستقبلية لأسواق النفط، حيث راهن المضاربون على انخفاض أسعار النفط بشكل غير مسبوق، طوال الأسابيع القليلة الماضية. ويعود ذلك جزئياً إلى التوقعات بأن زيادة الإنتاج من خارج تحالف "أوبك+" ستؤدي إلى فائض في المعروض من النفط الخام العام المقبل. كما أن المخاوف من ضعف في القطاع الصناعي العالمي تلقي بثقلها على السوق، وهو ما ظهر في المراهنات الكبيرة ضد أسعار الديزل.
ولكن حجم المراكز الاستثمارية تلك في
حد ذاته يشير إلى تحول أعمق في السوق، حيث زادت الرهانات على هبوط أسعار النفط
مؤخراً، متجاوزة ما كانت عليه عندما بدأت "أوبك" حرب الأسعار في بداية
جائحة "كوفيد". فقد اختفى تقريباً المستثمرون الذين يحتفظون بالنفط
تحوطاً ضد التضخم، فيما أدى التشاؤم بشأن ارتفاع الأسعار في العام المقبل إلى
تثبيط المتداولين عن شراء النفط عند انخفاض الأسعار. وسمح انسحاب هؤلاء المتداولين
لصناديق تداول السلع الاستشارية -وهي صناديق تعتمد على مؤشرات تقنية- بتعزيز
نفوذها، ما دفعها إلى تكوين رهانات بيعية ضخمة.
وقال إيليا بوشويف، الشريك الإداري في
شركة "بنتاثلون إنفستمنتس" (Pentathlon
Investments) والذي يدرّس أيضاً في جامعة نيويورك
إن: "مراكز البيع الصافية في سوق النفط ذات تأثير كبير، إذ إن شركات عديدة
مشاركة في السوق تعمل حالياً ومعنوياتها منخفضة إلى أدنى درجة".
مع تحول البنوك المركزية من التركيز
على كبح التضخم إلى خفض أسعار الفائدة لحماية الاقتصاد، خفض مديرو الصناديق
مخصصاتهم للاستثمار في السلع إلى أدنى مستوى منذ سبع سنوات، وفقاً لاستطلاع أجراه
"بنك أوف أميركا" في سبتمبر.
قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في
شيكاغو، أوستان غولسبي، إن أسعار الفائدة تحتاج إلى أن تُخفض بشكل كبير لحماية سوق
العمل ودعم الاقتصاد الأميركي.
ساهم هذا الخروج الجماعي في خفض
المراكز الاستثمارية من قبل شركات إدارة الأموال، مثل صناديق التحوط، إلى مستويات تشاؤمية قرب أدنى ما سجلته منذ عام
2011 في جميع عقود النفط الرئيسية. وتحول موقف هؤلاء المستثمرين خلال الشهر الحالي
إلى "صافي بيع" لعقود خام برنت للمرة الأولى على الإطلاق، ولا يزالون
يحتفظون برهانات بيعية صافية بأحجام قياسية على العقود الآجلة والخيارات الخاصة
بزيت الديزل.
ومع زيادة نفوذ صناديق التداول
الاستشارية، كان هناك ثلاث حالات على الأقل خلال الشهرين الماضيين نُسب فيها لهذه
الصناديق التي تعتمد على الخوارزميات دور في تفاقم التحركات في كلا الاتجاهين، ما
أدى إلى تقلبات حادة في الأسعار.
وقال تريفور وودز، كبير مسؤولي الاستثمار
في "نورثرن ترايس كابيتال"، الذي يعتمد على استراتيجيات التداول بناءً
على القرارات الفردية: "الوضع سيء للغاية. لا أحد يمتلك قناعة راسخة".
يعود جانب كبير من ترجيح هبوط الأسعار
إلى المؤشرات الأساسية للنفط الخام. على الصعيد العالمي، من المتوقع أن تزيد
المخزونات، مع توقع ارتفاع الإمدادات المخزنة في دول منظمة التعاون الاقتصادي
والتنمية إلى حوالي 2.73 مليار برميل في عام 2025، وفقاً لتقديرات الحكومة
الأميركية.
كما تظهر علامات ضعف في الطلب من قطاع
التكرير، إذ خفّضت المصافي في أوروبا معدلات المعالجة، وانخفضت أرباح إنتاج الوقود
مثل البنزين والديزل في الولايات المتحدة لتقترب من أدنى مستوياتها الموسمية منذ
جائحة كوفيد.
ومع ذلك، فإن المراهنات المتطرفة تزيد
من احتمال الارتداد الحاد؛ حيث لا تزال السوق تحتمل محفزات صعودية، مثل الاضطرابات
الأخيرة في الإمدادات الليبية، وحزم التحفيز الاقتصادي من الصين، وتخفيضات الفائدة
الجريئة من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. في الوقت نفسه، انخفضت مخزونات النفط
الخام الأميركية الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى لها منذ أبريل 2022.
اتفقت الأطراف في ليبيا على تعيين
محافظ جديد للبنك المركزي، مما يمهد الطريق لحل الخلاف الذي أدى إلى خفض حاد في
إنتاج النفط في الدولة العضو في منظمة "أوبك".
وكتب محللو "ماكواري" في
مذكرة: ما زلنا نتوقع هبوط (الأسعار) من الناحية الهيكلية، لكن الشعور بعدم
الارتياح يتزايد مع توحد وجهات النظر التشاؤمية.
كما أن بعض المتداولين مترددون في
اتخاذ مراكز كبيرة قبل الانتخابات الأميركية، والتي قد يكون لها تأثير واسع على
سوق النفط، وفقاً لما ذكره عدد من المتداولين. هذه الضبابية، في عام كان بالفعل
صعباً على العديد من المتداولين، تثنيهم عن شراء النفط في أي وقت قريب.
وقال وودز من "نورثرن
ترايس" إن "الوضع أشبه بمدينة أشباح".