في ذروة فصل الصيف، كانت أوروبا تأمل أن يكون الشتاء المقبل آخر شتاء تواجه فيه صعوبة في تأمين ما يكفي احتياجاتها من الغاز الطبيعي. كان من المتوقع أن يتحول سوق الغاز الطبيعي المسال إلى "سوق المشتري"، الذي يتميز بفائض في المعروض لصالح المشتري، مع حلول منتصف العام المقبل، ما قد يخفف من الضغوط التي عانتها المنطقة منذ غزو روسيا لأوكرانيا. لكن الوضع اختلف الآن.
بعد سلسلة من التأخيرات في مشروعات الغاز وارتفاع غير متوقع في الطلب على الوقود في آسيا، من المنتظر أن يظل سوق الغاز الطبيعي المسال في مواجهة نقص المعروض خلال السنة المقبلة وربما حتى منتصف 2026. ولن يكون للمشترين اليد العليا قبل أوائل 2027، حين تصل إمدادات جديدة قد تُغرق السوق على مدى سنوات مقبلة.
يتميز الغاز الطبيعي المسال بإمكانية شحنه عبر ناقلات بحرية، في حين يبقى الغاز المنقول عبر الأنابيب في حالته الغازية، ما يقيد خيارات النقل. توسع سوق الغاز الطبيعي المسال خيارات الدول المستوردة لشراء الوقود، ويفتح الباب أمام التعامل مع موردين بعيدين. بالنسبة لأوروبا، يعني ذلك الابتعاد عن مورديها التقليديين مثل روسيا والنرويج والجزائر وليبيا، وجميعهم ضمن مسافة خطوط الأنابيب، والتوجه نحو بائعي الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة الأميركية وقطر وأستراليا.
توقع بيتر فان دريل، المدير المالي لشركة "أدنوك للغاز"، أن يزداد الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال مع تحول المزيد من الدول إلى الاستيراد لأول مرة
تعد محطات تسييل الغاز الطبيعي المسال مشروعات هندسية ضخمة بتكاليف تُقدر بمليارات الدولارات وغالباً ما تُؤسس في مناطق نائية. حتى الشركات الرائدة في القطاع مثل "إكسون موبيل" و"شل" وقطر للطاقة تواجه في كثير من الأحيان صعوبات تتعلق بالتأخيرات وارتفاع التكاليف.
يمكن تسمية هذا الوضع بـ"قانون ميرفي" في صناعة الغاز الطبيعي المسال والذي يعني أن أي مشروع مقيد بالانتهاء في موعد محدد سيواجه تأخيراً حتمياً، لا سيما في أسوأ الأوقات.
لفترة طويلة، كانت سوق الغاز الطبيعي المسال زاوية هادئة نسبياً في قطاع الطاقة، تهيمن عليه عقود طويلة الأجل مرتبطة بسعر خام برنت. لكن بعد غزو روسيا -أكبر مورد للغاز إلى أوروبا- لأوكرانيا، تحول الغاز الطبيعي المسال إلى البديل بالنسبة للقارة، ليصبح فجأة في دائرة الضوء.
من متوسط سعر يبلغ 9 دولارات تقريباً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية خلال الأعوام من 2000 إلى 2020، ارتفعت تكلفة الغاز الطبيعي المسال خلال عام 2022 إلى أعلى مستوى على الإطلاق متجاوزة 50 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. رغم انخفاض الأسعار منذ ذلك التوقيت، إلا أنها ما زالت حالياً عند 13 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو ما يعادل زيادة بنحو 40% بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب. كان المشترون يحدوهم الأمل في أن تنخفض الأسعار أكثر في العام المقبل، لكن "قانون ميرفي" كان له رأي آخر.
جرى تأجيل بدء مشروع "غولدن باس" لتصدير الغاز الطبيعي المسال في ولاية تكساس، والذي تملكه قطر للطاقة و"إكسون"، لمدة 6 شهور على الأقل حتى نهاية 2025، وذلك بعد نزاع مع المقاولين. ويعد هذا المشروع من بين أكبر المشروعات المتوقع إنجازها بين عامي 2025 و2027، وقد يتأخر أكثر وفق رؤية خبراء في القطاع.