على بُعد نحو 64 كيلومتراً (40 ميلاً) شرق شبه الجزيرة الماليزية، يقع أكبر تجمع لأسطول بحري يعمل في الخفاء بالعالم. هذه السفن القديمة التي تعمل تحت أعلام الملاءمة (أعلام دول تمنح تسهيلات تنظيمية ومزايا قانونية) ودون تأمين في معظم الأوقات، تتوافد يومياً إلى هذه النقطة لنقل حمولتها بعيداً عن أعين المراقبين. وهكذا يجد النفط الإيراني الخاضع للعقوبات، والتي تبلغ قيمته مليارات الدولارات، طريقه إلى الصين كل عام، رغم أن بكين لم تستورد رسمياً ولا قطرة واحدة منذ أكثر من عامين.
ووفقاً لتحليل "بلومبرج" لصور التقطتها الأقمار الاصطناعية على مدى خمس سنوات لهذه المنطقة الساخنة، يتكشف الحجم الهائل لهذه الممارسات التي ازدهرت وسط تشديد الولايات المتحدة العقوبات على إيران.
تشير تحليلات أجرتها "بلومبرج نيوز" استناداً إلى تقارب السفن في الأيام التي تتوفر فيها صور الأقمار الصناعية، إلى أن عمليات نقل النفط بين السفن في هذه المنطقة تحدث على الأقل بمعدل يزيد بأكثر من ضعف ما كانت عليه في عام 2020. وفي الأيام الأكثر ازدحاماً، تم رصد أكثر من عشرة لقاءات منفصلة من هذا النوع.
لا يمكن تحديد كمية النفط المنقولة بهذه الطريقة بدقة. لكن حتى بافتراضات متحفظة بشأن حجم الناقلات، تشير البيانات إلى أن نحو 350 مليون برميل من النفط تم تبادلها في هذه المنطقة الساخنة خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام.
واستناداً لمتوسط أسعار النفط لعام 2024 والخصم المفروض على سعر بيع النفط الخاضع للعقوبات في الحسبان، تصل قيمة هذه الكمية إلى أكثر من 20 مليار دولار. ومن المرجح أن تكون القيمة الحقيقية أعلى بكثير.
وفقاً لسبعة أشخاص مطلعين يعملون في قطاع النفط أو الشحن أو الأمن البحري، فإن معظم النفط المنقول في هذه العمليات يعود إلى منشأ إيراني. كما أن معظم السفن التي تحققت منها "بلومبرج" مرتبطة بشحنات إيرانية (إذ إن الطريق القادم من روسيا لا يبدو ذا جدوى اقتصادية.
تستند جميع البيانات إلى الأيام التي مرت فيها الأقمار الاصطناعية فوق الموقع، وهو ما حدث في حوالي ثلث الوقت. واستخدمت "بلومبرج" خوارزمية مخصصة للكشف عن السفن في هذه الصور، لتصنيفها إما كناقلة فردية أو جنباً إلى جنب، بناءً على الشكل المميز الذي يظهر خلال نقل الشحنات من سفينة لأخرى.
ومن الممكن أن تكون بعض السفن التي تعمل في هذه المنطقة غير مرتبطة بذلك الأسطول. ومع ذلك، أكد خبراء أمن بحري ووسطاء شحن متعددون أنه لا يوجد سبب واضح يدفع مشغلي السفن الشرعية لإجراء عمليات نقل بعيداً عن الساحل، حيث تكون المخاطر والتكاليف اللوجستية مرتفعة.
بالنسبة لطهران، التي تحتاج بشدة إلى الإيرادات وتفتقر إلى مشترين راغبين، يُعد رهان بحر الصين الجنوبي وسيلة للبقاء. أما بالنسبة للصين، التي لا تخضع للعقوبات الأميركية ولا تعترف بها، فإن الشبكة المعقدة من الوسطاء والسفن المملوكة لشركات وهمية توفر لمصافيها الصغيرة وسيلة للحصول على النفط الرخيص. كما أن هذه الترتيبات تتيح للشركات الصينية الكبرى تجنب العقوبات الثانوية بسهولة. (يمكن للولايات المتحدة أن تقيّد أو تحظر الوصول إلى نظامها المالي لأي شركة أو شخص يثبت تورطه في تجارة مع إيران.
وقالت إيريكا داونز، الباحثة البارزة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا والمتخصصة بأسواق الطاقة والأوضاع الجيوسياسية في الصين: "كل هذه العوامل تعطي الصين فرصة الإنكار المقبول، فيمكنها، إذا أرادت، أن تقول إنها لا تستورد النفط الإيراني".
تراقب الولايات المتحدة عن كثب "أسطول الظل" من الناقلات التي تحمل النفط الخاضع للعقوبات، وتنفذ عمليات نقل الخام من سفينة إلى أخرى وسط المياه جنوب شرق آسيا.
يمثل هذا المركز البحري تهديداً مباشراً لجهود الغرب في تقليص الإيرادات المالية التي تتدفق إلى طهران وموسكو وكاراكاس، ويقدم كذلك تفسيراً واضحاً لصعوبة تنفيذ العقوبات. وقد صرح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، بنيته زيادة الضغط على إيران عند عودته إلى منصبه، لكن الشبكات الواسعة التي تحرك النفط عبر الشبكات الخفية حول العالم غالباً ما تعمل بدون تورط كيانات كبرى بشكل واضح. وكان الوضع مصدر إحباط حتى للإدارة الأميركية الحالية، التي دعت ماليزيا لبذل المزيد لمعالجة مثل هذه الثغرات، ولكن دون جدوى.قالت وزارة الخارجية الصينية، دون التعليق بشكل محدد على عمليات نقل النفط، إن تجارتها مع إيران مشروعة ومعقولة، ويجب احترامها وحمايتها.
وفي المقابل، لم ترد كل من وزارتي الخارجية والنفط الإيرانيتين، ووزارة الخزانة الأميركية، ووزارة الخارجية الماليزية، ومكتب رئيس الوزراء الماليزي على طلبات التعليق.
هناك مخاوف أخرى ذات صلة ولا تقل إلحاحاً. يحذر خبراء الأمن البحري من أن هذه المجموعة المتنوعة من السفن، التي تنقل النفط مع الحد الأدنى من الرقابة، تعني أن حدوث تسرب كارثي هو مجرد مسألة وقت. وفي الوقت نفسه، يشعر مالكو السفن الشرعيون بالقلق إزاء المخاطر التي تهدد أساطيلهم بسبب العدد الهائل من سفن الظل غير المؤمنة التي تعبر ممرات مائية مزدحمة، وغالباً ما تكون أجهزة التتبع الخاصة بها مغلقة. هذا الأمر يجعل اكتشافها صعباً، خصوصاً ليلاً أو أثناء العواصف، مما يزيد من خطر حدوث تصادم.
وقال تشارلي براون، خبير الأمن البحري المقيم في سنغافورة والذي يشغل منصب كبير المستشارين في منظمة "متحدون ضد إيران النووية"، إن "نطاق وحجم عمليات نقل الشحنات من سفينة لأخرى غير المشروعة في هذه المنطقة أكبر كثيراً مقارنة بالمناطق الأخرى. حيث توجد ميزة جغرافية تتمثل في الطقس الجيد في معظم الأوقات، والقدرة على التنفيذ دون تدخل السلطات".